قلق ينتاب كثيرين فى رحلة الحياة، حتى إنه لَيشغلهم عن استكمال طريقها، قلق ينبِض فى أيامهم عُنوانه: "كيف يرانى الآخرون ؟". نعم أصبح البشر يهتمون بما يراه الآخرون عنهم وما يحكمون به عليهم، دون الاهتمام بأعمالهم وما يقدمونه هم بالفعل. أعجبنى ذٰلك الحكيم الذى كان يعيش فى قديم الزمان فى إحدى المدن بين عدد كبير من تلاميذه. وذات يوم شعر أحد الأشخاص بالضيق من اهتمام أهل المدينة وتقديرهم للحكيم، فقد كانوا يرَونه حكيمًا إلى درجة لا تدع مجالًا لتساؤل لا يمكنه الإجابة عليه بحكمته المعهودة !! قرر ذٰلك الإنسان أن يقوم باختبار معلمه أمام أهل المدينة؛ فذهب إلى أحد الحقول، وأمسك بفراشة جميلة، ثم أخفاها بين يديه، وفكر فى أن يوجه سؤالًا إلى الحكيم عن الفراشة : أحية هى، أم ميتة ؟! فإن قال له إنها ميتة ترك الفراشة لتطير، وإن قال إنها حية ضغط عليها لتموت، وهٰكذا يحرج الحكيم أمام أهل المدينة.
اقترب الشاب من الحكيم وتقدم إليه سائلًا إياه: أخبرنى أيها الحكيم: أهٰذه الفراشة التى فى يدى هى على قيد الحياة، أم ميتة؟". هنا صمت الحكيم لحظات، وأنظار الجميع تتعلق به مفكرين: تُرى، ما هى إجابته؟! وقطع الصمت صوت الحكيم قائلًا: أن الأمر فى يدك أنت، فإذا ماتت الفراشة فأنت قاتلها، أمّا إذا لم تمُت فأنت من يطْلقها. ثم استطرد الحكيم: إنها أعمالنا التى تعتمد علينا نحن، لا على آراء البشر فينا. اعترى الصمت ذٰلك الرجل، ثم فتح يديه ليُطلق الفراشة من بين يديه، مرددًا: حقًّا أن ما نفعله هو الأهم وهو ما يحدد طريق حياتنا، لا تلك الآراء التى يُطلقها الآخرون علينا.
كثير من البشر يبنون أحكامهم على مشاعر يحملونها لذٰلك الإنسان، سواء أمعه هى أم ضده، وبذٰلك هم يتأثرون بالشخص لا بالفعل نفسه. وآخرون يبنون أحكامهم على غيرهم بما وصل إلى مسامعهم عنهم فى حين هم لا يعرفونهم. فئة ثالثة تقدم آراءها وَفقًا لما تتأثر به مصالحهم فقط. عزيزي: عليك أن تمضى فى حياتك، وافعل ما يُمليه عليك ضميرك ومبادئك وقيمك ورسالتك فى الحياة، وكما قيل: "لا تدَع ضجيج آراء الآخرين يَطغَى على صوتك الداخلى، ويقودك إلى الفشل.".
إلا أننا فى الوقت نفسه، علينا أن ننتقى من يمكنهم المساعدة فى تقييم أعمالنا بوضوعية ؛ فإن هناك أشخاصا، وإن كانوا قليلين، تعلموا فى الحياة أن يساعدوا الآخرين فى تقييم أمورهم؛ فالحكم الحقيقى على ما تفعل ينطلق من داخلك لأنك أنت الشخص الوحيد الذى يُدرك أفكارك ومشاعرك ودوافعك. لذٰلك فمهمة أولٰئك الأشخاص الأمناء هو توضيح بعض الأمور التى قد تغيب عن فكرك، أو لا تفهمها. لذا اُخلُ إلى ذاتك وكُن صادقًا معها، فتُدرك ما يجب عليك فعله فى حياتك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة