أساتذة العلوم السياسية يعرفون هذا المرض جيدا، ويعرفه أيضا علماء النفس، هو مرض جنون السلطة، من يصاب به يصبح على استعداد تام ليفعل أى شىء، من أجل أن يصبح متسلطا على عباد الله، كل الحدود مفتوحة، كل المحرمات مباحة، يبذل الموبوء بهذا الداء كل ما فى وسعه ليصبح رئيسا، وحينما يحصل على ما يريد لا يشفى بل على العكس، يتعاظم هذا المرض ويكبر، ويتحول إلى سعار واضح على كل تصرفات هذا المريض، لكن للأسف لا يصف علماء السياسة جنونا آخر بالشكل الكافى، ألا وهو جنون المعارضة.
قبل أن نشرح «جنون المعارضة» وأعراضه يجب علينا أن نعرف «المعارضة» الصحية أولا، فلكى يصبح المعارض معارضا حقا، يجب عليه أن يتبع منطقا «ما» فى معارضته، كما يجب عليه أن يتبنى «نظرية» سياسية «ما» يرى من خلالها الصواب والخطأ، معلنا انحيازاته الأولية، وطرق تحقيق هذه الانحيازات، ما دون ذلك أعده جنونا، يضر بصاحبه قبل أن يضر بمكن يعارضه، ويضر بالوطن فى الحالتين، ومن أعراض هذا الجنون أن تهاجم خصمك أو نظامه على أى شىء فى أى وقت وتحت أى زعم، حتى لو كان بهذا «الشىء» شيئا من النجاعة والنصاعة.
لعلك تسأل: لماذا يضر «جنون المعارضة» بصاحبه؟ وأجيب: لأنه يفقده عقله أولا ويفقده تابعيه ثانيا، ويفقده الاحترام ثالثا، ولعلك تسأل أيضا لماذا يضر بمن يعارضه إذا كان متهاويا إلى هذا الحد؟ وأجيب: لأنه يضع الناس فى حاله بلبلة، ولأن أى فكرة إنسانية هى إنسانية فى المقام الأول وليست إلهية على أية حال، أى أنها تحمل فكرة «ناقصة» بها الكثير من احتمالات الصحة أو احتمالات الفساد، ومهاجمة هذه الفكرة «عمال على بطال» تجعل المجتمع متأهبا لرصد جوانب القصور فيها، ليس بهدف علاجها، ولكن بهدف الانقضاض عليها، كما تمنح «أعداء البلد» فرصة ذهبية للاصطياد فى الماء العكر، فى وقت يحتاج منا إلى الترابط والتراحم والتكاتف، من أجل تعويض ما فاتنا من تقدم، أو على الأقل إيقاف ما أصابنا من انهيار، ولهذا سأضرب لك ممثالا على هذه الحالة المرضية من المعارضة وآثارها السلبية بموقف البعض من حديث الرئيس عن أهمية وضع العراقيل أمام «الطلاق».. نكمل غدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة