لم أزر ذلك البلد الجميل، لكن له فى قلبى رصيدا وافرا من المحبة والاحترام فى آن، هذا الرصيد هو الذى يجعلنى أتغافل تماما عن الصراعات التى يشعلها البعض قبل كل مباراة تجمع الفريقين، فأتخيل أننا نتنافس مع أى فرقة أخرى لأى بلد آخر، وسرعان ما تذهب المباريات ويذهب أثرها، وتبقى المحبة المتوغلة فى وجدان الشعبين إلى أبد الدهر.
المغرب، ذلك البلد العجيب، بلد الأساطير الموغلة فى تاريخ العالم الإسلامى، بلد الأحلام والرؤيا التى ترسم القدر بغمضة عين، بلد العمارة الراقية التى تحمل بصمة لا تكرر فى تاريخ الفن الإسلامى، بلد العادات الراسخة والأكلات الشهية والنساء الجميلات والرجال الأحرار، بلد الحرف، الفن المتواصل الذى لا يغيب، بلد الثقافة الرفيعة والمبدعين الجادين والنقاد الأفذاذ، بلد التصوف الراقى، والمعرفة الربانية، والعلوم الشرعية، بلد استمد انسيابيته من المحيط واكتسب أهله الصرامة من أحجار الأطلسى، الجمال فيه فريضة، والقبح عار، بلد كلما فكرت فيه شعرت وكأنى أستنشق هواءه، فتنتابنى حالة ساحرة من الراحة والسكون.
محبتى للمغرب وشعبها لا تحتاج إلى تجديد، ولا تستلزم توثيقا، فمنذ اليوم الأول الذى درست فيه عمارتها وفنونها فى كلية الآثار بجامعة القاهرة وأنا على اتصال روحى كبير بها، ولهذا كانت فرحتى كبيرة حينما تم اختيارها ضيف شرف لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، لكن الصدفة كانت سيدة الموقف، أمس الأول، حيث دعانى الناشر «محمد رشاد» مدير الدار المصرية اللبنانية ورئيس اتحاد الناشرين العرب، إلى حفل العشاء السنوى الذى يقيمه للناشرين العرب بمناسبة حلول معرض الكتاب، وتزامن هذا الميعاد مع توقيت إقامة مباراة مصر والمغرب فى بطولة الأمم الأفريقية، فما كان من «رشاد» إلا إحضار شاشات عرض فى الفندق الذى أقيم به الحفل ليشاهد الحضور المباراة، فشاهدنا المباراة سويا مع أشقائنا المغاربة، وانفعلنا سويا مع الفرص الضائعة، وانطلقت الآهات مع كل هجمة هنا أو هناك، هجمة تعقبها ضحكة، هجمة تعقبها «لقمة» هجمة يعقبها دعاء، كل شىء تشاركناه، إلا فى ثانية واحدة أتى فيها الهدف، فانفعل البعض حزنا وانفعل البعض فرحا، وانتهت المباراة فتصافحنا وتمازحنا وتواعدنا على لقاء فى الغد فى معرض الكتاب، حول مائدة الثقافة العامرة، وأبواب التاريخ المفتوحة، وعيون المستقبل الذى ينتظرنا أقوى وأجمل وأكثر اتحادا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة