إبراهيم عيسى: لدىّ مشروع سينمائى مجنون عن علاقة نجيب محفوظ وسيد قطب.. ولى 9 تجارب سينمائية "مجهضة" قبل 20 عاما.. وقابلت فاتن حمامة مرة واحدة فى حياتى وسألتنى: "أنت بتحبنى يا إبراهيم؟" أجبت: "أنا بعشقك وبموت فيكى"
إبراهيم عيسى.. اسم ليس عاديا فى الحياة الإعلامية والثقافية، فهو كاتب ومثقف وإعلامى وسيناريست، وروائى، يفاجئنا دائما فى كل المجالات، ولا يدخل عالما فنيا أو إعلاميا إلا ويتميز فيه، يشهد بهذا فيلمه الجديد "مولانا" الذي يعرض حاليا في السينمات ويحقق نجاحا كبيرا فى موسم يعتبره صناع السينما والمهتمين بها "موسما ميتا".
فى حواره مع "اليوم السابع" يتحدث الكاتب الكبير عن الفيلم والأدب والسينما والإعلام، ويعلّق على هجوم الحركة السلفية على "مولانا"، ويكشف عن مشروع كتابته قصة حياة الراحل أحمد زكى.
إبراهيم عيسى
فى حضرة إبراهيم عيسى لا تعرف من أين تبدأ وكيف تنتهى.. وما بين البدء والنهاية حيرة تجاوزتها بسؤال كيف تعيش حياتك بعد أن تركت الإعلام؟
يضحك "تُركت فى الإعلام ولم أتركه"، والكتابة والسينما والفن أحلى وأجمل، ويعلّق وهو لازال يضحك:"بلا وجع قلب يا راجل"، لكن لو قُدّر لى وعدت سأقدم برنامج تنويرى ثقافى، وليس برنامجا سياسيًا، لأن التليفزيون منبر مهم للناس وواسع جماهيريًا و"مش عايز أقدم برامج فى السياسة تانى"، والحمد لله أمارس حياتى بشكلها الطبيعى أحضر إلى مكتبى وأزاول مهنتى الصحفية وأصنع أفلامًا.
رحلتك مع الصحافة والإعلام طويلة وتمتاز بالعناد والصمود والمواجهة.. كيف تستعرضها فى مخيلتك؟
33 عامًا أنفقتها من عمرى فى الصحافة والإعلام، إذ دخلت "روزاليوسف" وعمرى 19 عامًا وانخرطت تماما فى العمل الصحفى، وقتها كنت فى السنة الثانية من التعليم الجامعى، وقد كنت حققت نجاحا فى السنة الأولى وتفوقت (الثانى على الدفعة)، وبعد انخراطى فى العمل كنت أحصل على تقدير جيد فقط، ولم أكن أعرف شكل أساتذتى فى الجامعة، (مكنتش بحضر لدرجة مبعرفش مين دول، وكانوا عاملين قاعدة فى الكلية إن إبراهيم عيسى لما يظهر يبقى فيه امتحانات)، لو كان قرارى منذ الـ33 عاما هو الاستسلام والاستنزاف والتركيز فى رد الفعل، لما فعلت شيئا، وتعلمت هذا من الأستاذ هيكل عن طريق التلقين، لم يكن يستنزف نفسه فى معارك جانبية رغم تعرضه للطعن والسب، لم يرد أبدا، وأصنف نفسى أنى من مدرسة عدم الرد، وأقضى وقتى فى القراءة والإطلاع ومشاهدة الأفلام، فأنا مدمن سينما، ومن المستحيل أن يمر يوم فى حياتى _بلا مبالغة_ دون أن أقرأ مائة صفحة وعلى الأقل أشاهد فيلم أو حلقتين من مسلسل، وقتى منظم جدا، وليس عندى لحظة تحليق فى السماء، ومشاهدة الأفلام ليست تضييعا للوقت.
إبراهيم عيسى مع العباس السكرى
من الصحافة لـ"الإعلام" لـ"السينما".. كيف رأى إبراهيم عيسى "مولانا" بأفكاره وثقافته وحضوره وتحرره بعد أن صار فيلمًا سينمائيًا؟
فى "مولانا" يجب أن نفصل بين الرواية والفيلم السينمائى، وهذا من الأشياء التى تعلمتها من أساتذتى وأكبر تجربة لها علاقة بالسينما هى تجربة الأستاذ نجيب محفوظ _سيد الكتابة العربية_ كان يتعامل مع السينما باعتبارها وسيط آخر لعمله الأدبى وليست عمله الأدبى، بعيدا عن الوقوع فى فخ تحول الرواية بأصلها الى سينما، وصراحة المخرج مجدى أحمد على كان يحب الرواية على الشاشة أكثر منى، وهو من سعى لتحويلها لعمل فنى واستمر فى عشق خاص مع الرواية منذ صدورها فى 2012 إلى أن وقعنا العقد فى 2015، والحمد لله عند خروج الفيلم للنور نجح نجاحا جماهيريا وأثار الجدل وحدث تفاعل كبير مع الجمهور.
من فيلم مولانا
"مولانا" التجربة السينمائية البكر لإبراهيم عيسى.. ماذا تقول عنها؟
لى تجارب سينمائية "مجهضة" أقربها كان منذ ما يقرب من 20 عامًا أو أقل، فقد كتبت 9 سيناريوهات منهم 4 مع العملاق الراحل أحمد زكى، وفخور أنى كنت أقرب الناس إليه، ولأول مرة من خلال "اليوم السابع" أعلن أنى أعكف على كتابة رواية بطلها أحمد زكى وهذه وصيته، حيث قال لى ذات مرة "لازم تكتب عنى زى مفيد فوزى ما بيكتب عن عبد الحليم حافظ" فرديت عليه :"انا هكتب عنك أحسن من اللى كتبه مفيد فوزى عن عبد الحليم حافظ"، وبدأت بالفعل فى وضع الخطوط الرئيسية للرواية لكنى لم اختر عنوانا لها إلى الآن، وفى ذهنى عدة صفات للرجل يستحقها تمامًا ستكون إحداهن اسما للكتاب، وفى الرواية أسرد الحياة المركبة والمقعدة وسيرة مصر من مولده وحتى وفاته، وفى فيلم "أيام السادات" لى مشهد واحد بحذافيره تم الاستعانة به فى الفيلم، وكتبت 4 أعمال لم تظهر للنور مع المخرجة ساندرا نشأت، هذه التجارب كانت بالنسبة لى اختبار للحياة السينمائية وقت شبابى، والآن أنظر اليها نظرة ناضجة أكثر خبرة ووعى، فى الماضى كنت اعتبر أن المُنتج الذى أكتبه هو أحسن شىء، لكنى تعلمت أن السينما عمل جماعى أردنا أو لم نرد والفيلم ينسب لمخرجه، ومن دروس "مولانا" تعلمت كيف يغرم مخرج ويحب ويؤمن برواية الى حد إصرار سنوات على إخراجها وعندما يقدمها فى عمل سينمائى ينال هذا النجاح فهو محصلة إيمان وحب للعمل الفنى.. والفيلم عمل فريد من نوعه فهو أول فيلم يشتبك من الألف والياء مع تجربة الدين والسلطة بمصر، وأول عمل يمس الظاهرة الموجودة فى الشارع المصرى وليس رجل الدين التقليدى، بعيدا عن الفنانين الذين جسدوا شخصية الشيخ فى السينما، نحن بصدد فيلم مختلف، عمل بكر وريادى، وبالتأكيد أى عمل ريادى يخلق قواعده والفيلم هو الذى خلق قواعده السينمائية وأهمها الحرية الكاملة والمطلقة لأن صناعه أرادوا أن يكونوا أحرارًا حتى الرقابة قررت عرض الفيلم دون حذف واعتبر رئيس الرقابة خالد عبد الجليل شريك فى "مولانا" وأحد صناعه لموقفه المستنير والمحترم، ولولا هذا الموقف ما كان هذا الفيلم، أيضا فى مولانا كن صادقا تستطيع الوصول للناس، ولو كنت ذهبت بالرواية لأى منتج من الذين يطالبوننى بسيناريوهات الآن لن ينفذه ربما يقول :"ايه اللى يدخلنا فى الموضوع ده أصلا".
أفيش مولانا
فى بعض مشاهد الفيلم ظهر الشيخ "حاتم الشناوى" وهو يتبول فى السجن بدون العمامة.. هل قصدت عدم الإساءة للزى الأزهرى؟
"طبعا أقصد هذا ونص"، وعلى المستوى الشخصى من أجمل صور حياتى، صورة والدى وهو مرتدى العمامة الأزهرية، فهو خريج الأزهر عام 57، وخالى شقيق والداتى شيخ معهد أزهرى، والعمامة بالنسبة لى شىء عظيم جدا واعتقد هى كذلك لأى مواطن مصرى، وحاتم الشناوى هو الشيخ الذى نتمناه، وأظهرت هذا الشيخ فى صراعه مع التطرف والتسلف، ليكن حاتم الشناوى قدوة فى فكره وعلمه وطرح وجهات النظر المستنيرة المشتبكة مع واقع التطرف من خلال شيخ أزهرى، وللعلم مشايخ الأزهر دمهم خفيف ويمتازون بالظرف، فنحن إلى حد كبير أمام فيلم قريب جدا من الواقع، خصوصا فى صراعه مع السلطة ورجال الدين المتطرفين الارهابيين وإغواء المال والشهرة.
ما رأيك فيما يقال أن "مولانا" يروج للمعتزلة؟
أروج للإطلاع لقراءة وفكر وفهم المعتزلة، فهى مدرسة فكرية تقتضى الانتباه اليها سواء أحببناها أو رفضناها، اعتناقنا أفكارها أو لا، الفيلم ينتصر للعقل، وحاتم الشناوى شيخ هواه "معتزلى"، وبعد أن شاهدت الفيلم كاملا مع زوجتى داعبتها قائلا :"الفيلم دعاية جبارة للمعتزلة"، ولعل أحدًا ينصفهم بعد سنوات طويلة من الظلم والاعتساف، فقد ظلموا ظلم بيّن، ومنعت كتبهم وتم حرقها وكانت هناك حرب إبادة للفكر المعتزلى.
الكاتب الكبير إبراهيم عيسى
البعض يرى أن الفيلم يتناول أكثر من قضية وبه زخم شديد؟
هذا الزخم يكسر القواعد التقليدية، فهو أسس لقاعدة جديدة، ونحن فى حاجة الى أفلام بها زخم وتنجح، لأنه ليس بالضرورة أن يكون الفيلم يعتمد على المحور الواحد والحدوتة الواحدة، وانكسرت هذه القاعدة بفيلم مولانا ويمكن أن نرى أفلاما بمحاور متعددة ومختلفة ومتشابكة وتنجح، والفيلم الجميل هو الذى يجبرك على التغاضى عن عيوبه.
ما تقييمك لجميع عناصر الفيلم؟
كل عنصر قدم أفضل ما لديه على قمتهم العبقرى عمرو سعد كما وصفه ناقد موقع "فرايتى" الامريكى، أنه وصل الى حد الكمال، عمرو سعد فى فيلم مولانا هو مولانا، وتحسب له جرأته فى قبول الفيلم، فهو بالنسبة له مغامرة ومقامرة، واعتبر عمرو سعد حفيد أنور وجدى، كما كان يناقشنى فى الدراما مثل الراحل احمد زكى، فنان إدراكه رفيع المستوى، ونحن نتحدث الآن عن نجم فى صدارة المشهد السينمائى، ودرة فهمت أبعاد شخصيتها وعبرت عن اضطرابها الشديد فى دور الزوجة، وفاجئنى فى عناصر الفيلم موسيقى عادل حقى، وشيكو اكتشفت أنه مدير التصوير بارع، واستعدت حبى للفنان حلمى فودة.
عمرو ودرة فى الفيلم
كيف يرد إبراهيم عيسى على انتقادات السلفيين لـ "مولانا"؟
"مش هرد على ناس هاجمت الفيلم من غير ما تشوفه ده شىء مجنون".. تنتقد الفيلم قبل أن تراه هذا شىء أقرب للجنون، أنا بهاجم السلفيين لما بقرأ كتبهم، والحركة السلفية دمرت العقل المصرى، ونجاح فيلم "مولانا" أحد الأدلة التى اضاءت قلبى ان اختيار المسلمين للإسلام الوسطى وليس اسلام السلفيين، خصوصا وان الفيلم نجح نجاحا كبيرا فى توقيت ميت، ولو الدولة عايزة تحارب الإرهاب لابد أن تحاربه بالفن وتسمع كلام الفنانين، لأنهم أصحاب الخيال، ونبؤة تفجير الكنيسة البطرسية فى مولانا.. الفن القادر على مواجهة الإرهاب، وليس اللواءات الذين يواجهون الإرهابيين، هناك فرق بين الارهاب والإرهابيين..
هل من الممكن أن يسوق لنا القدر "مولانا" فى الواقع؟
هناك مشايخ من قلب الأزهر تحمل أفكار "مولانا" لكن هل يمتلكون كاريزما أو قدرات "مولانا"، أنا فى شوق بالغ أن يسوق لنا الله أكثر من "مولانا"، خصوصا عندما ترى جماهيرية شيوخ السلفيين وصلت إلى درجة "الهوس" فى الشارع وأصبحوا "راسبوتين"، بينما يخلو من الشارع شخصية الشيخ الجماهيرى الواصل للناس بفكر مستنير بسماحة ويسر.
الشيخ الشعراوى
بحكم الحديث عن مولانا كيف ترى الإمام محمد عبده والشيخ الشعراوى؟
فى رأيى لا أحد يستحق تعبير ووصف الإمام سوى محمد عبده، دون تهويل أو تحويله لشخص مقدس، انما هو شخصية مؤسسة لطريقة تفكير حر ومستنير وعقلانى للإسلام، والمدهش والمذهل ان تلميذه رشيد رضا أهم سلفى عرفته مصر هو أشد السلفيين ضيق وعقل، أما الشيخ الشعراوى فأخذ حقه جماهيريا وهو تجربة الشيخ التلفزيونى بامتياز، صاحب الأداء الحركى المبسط يدمج الأمثلة الشعبية، وحكاوى القرية، وهذا التبسيط وضع الشعراوى فى مكانته التى حصل عليها، لكنه حوّل الدرس الدينى الى طلبة فى ابتدائى وليس طلبة فى جامعة، لكن على مستوى المضمون الشعراوى نموذج للشيخ الشفاهى، لم يخط بيده سطرًا، وله خطوط أساسية ضد الآخر وأفكاره ضد المرأة وضد العلم وجوهر محاوره السلفية والوهابية، وأفكاره تقليدية وسلفية، واختلافنا معه لا ينسينا جماهريته وشعبيته، وأيضا اشتراكه فى عالم السياسة كان بائسا هو الذى قال عن السادات :"لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون"، وبدأ حياته بقصائد مديح للملك فاروق وبعده جمال عبد الناصر، ثم يقول انه سجد لله شكرا لما وقعت نكسة 67 احنا أمام رجل آراؤه السياسية غير ناضجة وغير واعية وساهم فى تأليه وتقديس الرؤساء، وقال لمبارك :"نحن قدرك وأنت قدرنا" هل هذا يعقل؟.
هل بدأت فى مشروعك السينمائى الجديد على الزيبق؟
مشروع على الزيبق، مهمة صعبة جدا، فقبلى قدمه عظماء للتلفزيون والإذاعة، هم الكاتب الكبير القدير يسرى الجندى فى مسلسل تلفزيونى، وفى الاذاعة قدمه المبدع طاهر أبو فاشا صانع لنا الف ليلة وليلة، إضافة إلى ميخائيل رومان أحد عمالقة المسرح وفاروق خورشيد، فالمهمة صعبة وليست سهلة، والسينما وسيط جديد السينما وهذه مهمتنا، لكن أود أن أقول "التعامل مع التراث المصرى مسئولية كبيرة ولا يجب أن يتصدى له أى قلم".
فاتن حمامة
ما هى حكايتك مع فاتن حمامة التى تضع صورها فى مكتبك؟
هذه الصورة أضعها فى أى مكتب أذهب إليه، فاتن حمامة تدخله قبلى، لأنها سيدة قلبى، فهى نموذج رائع لمعنى الفن وسحره وتأثيره وقيمته، والتقيت بها مرة واحدة فى حياتى فى منزل أرملة أحمد بهاء الدين وقتها أهديتها مجموعة قصصية لى بعنوان "عندما كنا نحب" والغلاف كان يحمل صورة فاتن حمامة وعندما رأت الغلاف قالت لى :"ايه ده انت بتحبنى يا إبراهيم" قلت لها :"انا بعشقك وبموت فيكى"، هذه جملة الحوار الوحيدة التى دارت بينى وبينها فى حياتى، هى القمر والباقى نجوم.
عادل امام
وماذا تقول عن الزعيم عادل إمام؟
عادل امام ظاهرة كونية _أقول هذا الكلام ومسئول عنه واللى عنده كلام تانى يقوله_ لا يوجد نجم فى التاريخ البشرى ظل 50 عاما رقم 1 على مستوى الجماهيرية أو الايرادات أو العطاء مثله، نحن لدينا كنزا حقيقيا اسمه عادل امام، وفى رأيى أن الفنانين أهم من الأهرامات، وعادل إمام ثروة من ثروات مصر الطبيعية وليس البشرية مثل نهر النيل، وهذا التوصيف نتيجة مشوار جهد وعرق وإخلاص وثقافة واستراتيجية، لم نسمع أبدا أن الزعيم فى حياته شىء مستنزفه أو معطله أو معوقه، وليس هناك أشجع من فنان رأى فنانين يتعرضون للحرق والإرهاب وقتل فقرر أن يتضامن معهم ويتصدى للخطر الذى يعانونه وأن يذهب فيقف بصدره، أى شجاعة مثل هذه يتمتع بها فنان واحد مثل عادل إمام، ولا شك عادل زعيم عن حق مش مجرد اسم مسرحية انتسبت للرجل والفرق بينه وبين الآخرين الثقافة والقضية.
هل لديك أقوال سينمائية أخرى؟
عندى مشروع لفيلم مجنون أتمنى أن يتحمس له منتج، يتناول العلاقة بين نجيب محفوظ وسيد قطب، وهذه العلاقة مليئة بالمفارقات الدرامية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة