إن المتأمل لمسيرة الشاعر الغنائى الأمريكى بوب ديلان، المولود لأبويين يهوديين، والفائز بجائزة نوبل للآداب 2016، سيدرك لأى مدى يمثل موقفًا كبيرًا للتناقض فى أعماله، فبين دعمه للمهمشين والمضطهدين وضحايا الحروب والتفرقة العنصرية، يؤيد وبقوة الكيان الصهيونى ويصفه فى أحد قصائده بـ"بفتوة الحى صانع الجنة"، وأن كل حضارة وإمبراطورية استعبدته زالت مثل مصر وروما وبابل.
هذا ما تبرزه القصائد المختارة من أشعار "ديلان" فى كتاب بعنوان "أطرق أبواب السماء"، من ترجمة الحسين خضيرى، والمزمع صدوره عن دار مصر العربية للنشر، ودار بردية للنشر، ويتضمن دراسة للناقدة الدكتورة هويدا صالح، بعنوان "مفارقات جمالية وأيديولوجية فى شعر بوب ديلان".
ففى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات بدأ "ديلان" بالبحث عن يهوديته، فزار فى عيد ميلاده الثلاثين إسرائيل وفكر فى إمكانية الانتقال للعيش فى "كيبوتس" وهو من أشكال الاستيطان الصهيونى.
وفى 1982 عاد "ديلان" إلى إسرائيل، وبدأ يتلقى تعاليمه على يد حركة "حباد من بروكلين"، وكتب كلمات ألبومه الأشهر "الملحدون"، وفيه قصائد يدعم فيها إسرائيل بشكل مباشر، بل يظهر فى الغلاف الداخلى للألبوم راكعًا على "جبل الزيتون"، أحد الصور الذهنية للتصور الصهيونى للدولة العبرية، بالإضافة لصوره بجوار "حائط المبكى"، وقدم حفلات فى إسرائيل فى الأعوام 1987، 1993، 2011.
وقدم حفلاً فى "تل أبيب" 2014 مع فرقة رولينج ستون، ودافع عن "إسرائيل" بعد عدوان 1982 على لبنان بأغنية "فتوة الحى" 1983:
"نعم، فتوّة الحى مجرد رجل.
يقول أعداؤه إنه يحتل أرضهم،
وهم يفوقونه عدداً: مليون مقابل واحد.
فلا يمكنه الهروب أو الركض إلى أى مكان.
إنه فتوة الحى.
كل إمبراطورية استعبدته زالت،
مصر وروما، وحتى بابل العظيمة
وها هو قد صنع من رمال الصحراء جنّة".
وفى 2015 كان وزير التعليم الإسرائيلى "نفتالى بينيت" يقود حملة يحث فيها الإسرائيليين على التوقف عن الاعتذار عن دفاعهم عن أنفسهم، مرددًا مقطعًا من أغنية "ديلان"، يقول:
أزال حبل مشنقة فانتقدوه
دافع عن نساء عجوزات اتهموه وقالوا
إنه يجب أن يعتذر
ثم دمر مصنع متفجرات
ولم يمتن لذلك أحد
المتفجرات كانت له
لكنه كان يجب أن يشعر بالسوء لفعلته
ولكنه فتوة الجوار.
لقد كتب بوب ديلان، الأغنية المتمردة، وصار رمزًا لجبهة ثقافة الرفض، وأيقونة للمهمشين والمضطهدين، وضحايا التفرقة العنصرية، والحروب، وقد لاقت أشعاره وأغانيه رواجًا لم يلقه سواه، فمنذ ألبومه الأول عام 1962، إلى الآن باع أكثر من مائة مليون أسطوانة، واختيرت بعض أغانيه ضمن أحد أهم مائة أغنية على مدى التاريخ الإنسانى.
غير أن بوب ديلان الذى جاء من أبوين يهوديين مهاجرين من أوكراينا، والذى ناصر المضطهدين والمقهورين وضحايا الحروب، لم يستطع أن يترفع عن عنصريته ضد العرب عامة والفلسطينيين على وجه الخصوص، فلم يحرك الثائر المتمرد الذى دافع عن ضحايا حرب فيتنام، والمقهورين وضحايا التفرقة العنصرية، ساكنًا تجاه ضحايا المذابح التى ارتكبتها إسرائيل ومازالت ترتكبها ضد الفلسطينيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة