قبل أيام من إصدار النشرة الشهرية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول معدل التضخم السنوى لشهر ديسمبر 2016، والمقرر إعلانه يوم الثلاثاء المقبل، توقع خبراء اقتصاديون أن تشهد معدلات التضخم ارتفاعا فى شهر ديسمبر 2016 مقارنة بالشهر السابق له "نوفمبر 2016"، وأكد الخبراء أن سلسلة القرارات الاقتصادية الصعبة التى تم اتخاذها خلال عام 2016، وراء التوقعات بارتفاع معدلات التضخم وتجاوزها 22% عن شهر ديسمبر الماضى، وهى النسبة التى تصل بالتضخم لأعلى مستوياته فى 9 سنوات منذ عام 2008 "عام الأزمة المالية العالمية"، حيث سجلت معدلات التضخم بهذا العام 19.1%، وكانت النسبة الأعلى منذ عام 2004 وحتى عام 2015.
توقع الدكتور مدحت نافع، خبير اقتصادى وأستاذ تمويل واستثمار، ارتفاع معدلات التضخم -عن شهر ديسمبر الماضى- إلى أكثر من 22%، قائلا: "القرارات الاقتصادية التى تم اتخاذها على مدار العام السابق، كانت جميعها قرارات ذات توجهات تضخمية، ستساهم فى زيادة معدلات التضخم، خاصة القرارات المتعلقة بتعويم الجنيه والحد من الاستيراد ورفع الجمارك والرسوم على أكثر من 250 سلعة، علاوة على ارتفاع الأسعار والمستمر حتى الآن بزيادة مركبة، وقرار زيادة القيمة المضافة ورفع أسعار البنزين".
وأضاف نافع فى تصريحات لـ"اليوم السابع" أن، الأرقام التى يتم الإعلان عنها دائما من الجهات الحكومية المختصة حول معدلات التضخم، ما هى إلا أرقاما رسمية توحى بالتفاؤل وتبعد كثيرا عن الأرقام الفعلية التى يشير إليها الواقع، لافتا إلى أن الارتفاع المتوقع لمعدلات التضخم لن يقتصر على شهر ديسمبر 2016 فقط، بل سيستمر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، خاصة فى ظل استمرار تبعيات وتأثيرات رفع الدعم الحكومى عن بعض الخدمات والسلع، ومواصلة الحكومة إصدار قرارات اقتصادية غير مدروسة.
ووصف الخبير الاقتصادى مدحت نافع "التضخم" بأنه "عدو الانسان"، حيث إن ارتفاعه يلتهم الأجور والرواتب، واستمرار زيادته يقضى على المدخرات أيضا، محذرا من حدوث أزمة حقيقية حال مواصلة التضخم صعوده وعدم اتخاذ حلول تكبح هذه الزيادات المستمرة، موضحا أن السوق الاقتصادى المصرى فى حالة تعطش، كما أن السوق السوداء لا تزال موجودة بالنسبة للدولار، وهو ما يعوق انخفاض معدلات التضخم، خاصة فى ظل غياب الدور الرقابى للحكومة، وإصدار القرارات "العشوائية".
ويرى نافع أن السبب الرئيسى الذى سيؤدى لمواصلة معدلات التضخم ارتفاعها ما لم يتم حله، هو قرار التعويم، خاصة أن هذا القرار خرج بدون استراتيجية واضحة، لافتا إلى أن تحرير سعر الصرف الذى تم مؤخرا كان للمرة الثانية، سبقه قرار مماثل فى عام 2003، ولكن الفرق بينهما تمثل فى أن قرار 2003 كان به شرط إيجابى يصب فى مصلحة الدولة، حيث اشترط قرار التعويم وقتها أن تقوم الوزارات والأجهزة الحكومية، والهيئات العامة الاقتصادية والخدمية، التى يستحق لها عن نشاطها مدفوعات بالنقد الأجنبى ببيع 75% مما تحصله من النقد الأجنبى للبنوك خلال أسبوع من تاريخ تسلمه، وأن تجنب 25% من الحصيلة فى حسابات خاصة فى البنوك الوطنية لمواجهة التزاماتها نحو البنوك والوفاء بمتطلبات نشاطها بالنقد الأجنبى، لافتا إلى أن قرار التعويم الصادر مؤخرا لم يكن له ملامح واضحة، وهو ما أثر ولا يزال يؤثر على الوضع الاقتصادى بالدولة، علاوة على أنه لم يحقق هدفه فى القضاء على السوق السوداء والتى مازالت موجودة.
وأكد الخبير الاقتصادى –خلال تصريحاته- أنه لن تتم مواجهة الارتفاع المستمر فى معدلات التضخم على مدار الأشهر الماضية، والزيادات الجديدة المتوقعة أيضا، إلا بزيادة الإنتاج والتحول إلى الاستثمارات من خلال الاهتمام بالمشروعات المتوسطة والصغيرة، والتى ستساعد على تغطية السوق المحلية واكتفائها دون الحاجة للجوء إلى الاستيراد وهو ما سيقلل احتياجنا للعملة الصعبة والتى تقف دائما كعائق رئيسى أمام انخفاض التضخم "ارتفاع الدولار".
واتفق معه فى الرأى الدكتور مصطفى بدرة أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس، قائلا: "استمرار ارتفاع الأسعار يوازيها مواصلة زيادة معدلات التضخم، خاصة أن تكلفة السلع –تحديدا الاستهلاكية- أصبحت مرتفعة على التجار، وهو ما يدفعهم لرفع الأسعار بشكل أكبر لتغطية تكاليف المنتج وتحقيق ربح منه أيضا"، ولفت بدرة إلى أن التأثر بمعدلات التضخم يختلف حسب شرائح المجتمع، وتتغير فى المدن عن الريف وفقا لنوعية وحجم السلع المستهلكة فى كل محافظة، متوقعا تجاوزها لـ22% فى المدن عن شهر ديسمبر الماضى.
وأرجع الخبير الاقتصادى مصطفى بدرة أسباب توجه التضخم لمسار الارتفاع إلى عوامل مباشرة تتمثل فى القرارات المتخذة مؤخرا، والتى كان آخرها قرار تعويم الجنيه، والذى اعتبره "بدرة" بمثابة العمود الفقرى والسبب الرئيسى فى الارتفاعات المتوقعة للتضخم لما له من آثار تراكمية، وعوامل أخرى غير مباشرة تساهم أيضا فى زيادة التضخم، أهمها تحويل بعض شرائح المجتمع مدخراتها لودائع مجمدة فى البنوك، موضحا أن تقوية الصناعة وزيادة الإنتاج هما الحل فى التصدى لارتفاع التضخم المستمر.
ويرى بدرة، ضرورة رفع الشركات والمؤسسات الحكومية من قوة منافستها للقطاع الخاص، وقيام الدولة بتوفير كافة السلع والمنتجات التى تحتكرها بعض الشركات الخاصة، لافتا إلى أن توفير الحكومة لذلك سيساعد على طرح هذه السلع بأسعار أقل، خاصة فى ظل تحقيق الدولة لهامش ربح منخفض بدلا من القطاع الخاص الذى يستهدف دائما تحقيق أرباح مرتفعة، والتى تؤدى لزيادة أسعار السلع وتضخم ثمنها.
فيما يرى الدكتور صلاح الدين فهمى أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن حساب معدلات التضخم —عن طريق جهاز الإحصاء— يتم من خلال الاعتماد على مؤشرات محددة واستبعاد مؤشرات أخرى، خاصة المتعلقة بالسلع ذات الأسعار المتقلبة، وهو ما يجعل الرقم الرسمى الذى تعلنه الجهات الحكومية المختصة بعيدا عن الرقم الفعلى فى الواقع، قائلا: "بالرغم من توقعى بتجاوز معدلات التضخم عن شهر ديسمبر 2016 لحد 22% إلا أن الرقم الحقيقى للتضخم فى رأيى يتخطى 40%، خاصة أن جهاز الإحصاء يعتمد فى حساب الرقم الرسمى للتضخم على السلع الاستهلاكية دون غيرها التى تؤثر أيضا فى حسابات معدلات التضخم".
واتفق فهمى مع آراء الخبراء المذكورة عاليا فيما يتعلق بالعوامل المتسببة فى ارتفاع التضخم، مضيفا أن تباطؤ الحكومة فى اتخاذ القرارات الإصلاحية يزيد من فترات استمرار التضخم فى الارتفاع، قائلا: "من العوامل المتسببة أيضا فى التزايد المتواصل بمعدلات التضخم، القرارات المتناقضة للحكومة، والتى تسبب حالة من الارتباك للسوق تؤثر سلبا على التضخم".
وبالرغم من اتفاق الدكتور صلاح فهمى مع آراء الخبراء حول الحلول المقترحة بزيادة الإنتاج وتنشيط الصناعة المحلية لكبح الارتفاع فى التضخم، إلا أنه يرى أن الحل الأول والأهم يتمثل فى التعامل بشفافية مع المواطنين، وإعلامهم بالوقت الحقيقى المتطلب لتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادى، خاصة أن مواجهة ارتفاع التضخم والسيطرة عليه، لن تأتى إلا بعدة إجراءات تتعلق جميعها بالإنتاج وتنشيط السياحة وتقوية الصناعة المحلية وغيرها من الأمور التى تحتاج لفترة ما لتنفيذها، قائلا: "معالجة مثل هذه الأزمات (ارتفاع التضخم) لا تتم فى شهر أو اثنين بل تحتاج لوقت".
كانت قد أظهرت آخر نشرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوى لشهر نوفمبر الماضى إلى 20.2%، مقارنة بشهر نوفمبر 2015، مسجلا ارتفاعا قدره 5% عن شهر أكتوبر 2016.
كما تجدر الإشارة إلى أن مصر أصبحت فى السنوات الأخيرة تعانى من تدهور اقتصادى، وسط تفاقم عجز الموازنة وارتفاع التضخم على مدار السنوات الماضية، وتراجع إنتاج الشركات والمصانع وشح العملة الصعبة، علاوة على غياب السائحين والمستثمرين الأجانب وتراجع إيرادات قناة السويس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة