أمازلت على رأيك دكتور هلالى؟ كان محقًا فى سؤاله الذى طرحه عليك فى لقائكما عن قضية الساعة، القضية التى تفرض نفسها على الساحة فرضًا، ممارسات غريبة، أحداث عنف واغتيالات لمواطنين بأرض الكنانة تفجر بهم كنائسهم وتحرق بيوتهم لِتُهَمٍ غريبة! فساعةً يَحْرقونهم لأنهم يصلون! وساعةً يذبحونهم لأنهم يتاجرون! تجارةً هى فى شريعتهم؛ حلٌ لهم طعامًا أو شرابًا! ينحرونهم فى الأسواق وفى بيوتهم وعلى مخادعهم نحرًا ويُحَرِّقونهم تَحْريقًا حتى أصبح مألوفًا عند أهل المحروسة مع إشراقة كل شمس نبأ حريقٍ وتهجيرٍ هنا وتفجيرٍ ومذبحةٍ هناك! وكلمة السر "مسيحيون"! لا يعجز وطنهم عن حمايتهم وهو بالسر عليم وعليه قدير! وكيف يكون الوطن وطنًا إن لم يكن قديرًا وكيف يكون الوطن وطنًا إن لم يكن بصيرًا خبيرًا وبأبنائه حارسًا ورفيقًا؟ للحق هو يحرس كنائسهم ويؤمنها ويتتبع الجناة ويحاكمهم "إن عثر عليهم" ويظل هكذا كلما حدث حادثٌ يتتبع الجناة ويحاسبهم "إن عثر عليهم"! ولكن ماذا ينفع الحساب بعد وقوع الواقعة؟ هيهات هيهات إن ينفع الحساب بعد وقوع الواقعة فلا هو للغائب رادٌ ولا هو للفاعل رادعٌ! وكيف يُرْدَعُ فاعل قد ترسخ فى رأسه وأغوارِ نفسه أنه بفعله يشرى مرضاة الله ويدفع الآخرة بالأولى ويقدم حياته فداءً فى جهادٍ مزعوم هو بالروح فيه غير ضنين؟ هو ذا يَقْتُلُ نفسه فيمن يَقْتُل! أو يُقْتَل أو يحكم عليه بالإعدام لا فرق عنده ففى كل حال يعتبر نفسه شهيدًا فى سبيل الله! فأى عقاب رادعٍ بمثل هؤلاء تظنون أنكم فاعلون؟ أى عقابٍ يجدى مع أناس بالموت هم غير مبالين وبه مرحبون وإليه ساعون راغبون طالبون بل مسرعون مهرولون! هو سبيلهم إلى الله بالخلاص من الدنيا التى فى عرفهم فسدت ورُسِخَ فى ثقافتهم إنها رَخُصَت ورُخِّص لهم فيها بقتل أولئك على أنه سبيلهم للخلود وسفينتهم التى تقلهم إلى حيث نعيمٍ سرمدى هو لهم من دون العالمين فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكأنهم اتخذوا بذلك عند الرحمن عهدًا بأن لهم الجنة زللت مفاتيحها لمن سَقَوْهم هذا الفكر ورسخوا له وأفهموهم وكأننا بإنزال العقاب عليهم نيسر لهم طريق السعادة والنعيم الذى وُعِدوا!! باختصار لا تشقوا على أنفسكم فهو ذاهبٌ ليموت ليذهب إلى الجنة وهم غير منتهين كلما قضى منهم نفرٌ إذا هم متجددون موجودون وفى كل يوم مولودون فالقطعان ترعى ما بقى الكلأ وم ادام الوابل أو ما بقى طلٌ يغمره ولا ينضب الوادى خصيب.
أثار البحيرى جدالاً مهمًا بعد أن وضع بنانه على بيت الداء وهو "إجماع الأئمة على ألا قصاص لدمٍ مسيحى على مسلم!" اتفق فى ذلك مالك والشافعى وابن حنبل والوحيد الذى اختلف معهم هو الإمام الأعظم "أبو حنيفة" أجمع الأئمة على ذلك بما يخالف نصًا صريحًا فى القرآن وكان رأى البحيري أن الأئمة الثلاثة أخطأوا وأن من واجبنا تصحيح هذا بمحوه من الكتب وترك رأى أبى حنيفة فقط؛ والذى توافق مع الكتاب، أو على الأقل لا ندرج هذا الرأى دون التنويه عن كونه خطأ وإعلان أن الأئمة لم يوفقوا فيه، أما طرح الآراء كلها كما يرى الهلالى وأن نترك للناس حرية الاختيار فنتيجة ذلك ما نحن فيه الآن بل وأذنوا بمزيد من سفك الدماء والتى بالفعل فاضت وزادت من بعد ثورة يناير منذ زاد نفوذ السلفيين وعلا صوتهم فى إطار بدأ وكأنه رضىً عام من الدولة مذ أفْرِجَ عنهم وأُخْرِجوا من السجون وزُلِلَت لهم منابر الدعوة، وسمحوا لهم بإقامة الأحزاب السياسية والتمثيل فى البرلمان ذلك بعد أن كانوا أجلسوهم يفاوضون على مواد الدستور وسمحوا أن يكون لهم من يمثلونهم فى لجنة وضعه بصفةٍ رسمية وكأنهم فصيل خاص منفصل عن باقى مسلمى مصر لهم دين خاص ونحن بذلك مقرون وكأننا نتعامل مع المواطنين على أساس مللهم الدينية وفصائلهم لا على أساس من المواطنة فكانت النتيجة أن منحنا هذا الفكر شرعيةً لدى مريديه فى الشارع والذى يقر ما أجمع عليه الأئمة الثلاثة بما يخالف ما تأخذ به مصر فى أحكامها والتى تضم على الأقل بين مواطنيها ثمانية ملايين مسيحى وتـطَبَّق المذهب الحنفى.
يا دكتور هلالى يا دكتورنا العزيز وأستاذنا الفاضل أنت رأيت أن نترك الآراء كلها للاختيار لا نمس منها شيئًا وأنك واثقٌ من نتيجة الاختيار يا دكتور، فى بلادنا يقولون: "علقها فى رقبة عالم واطلع سالم" اتحملها أنت يا دكتور هلالى وتُعَلق برقبتك؟ اتقبل أن يعلق برقبتك كل هذه الدماء؟ هل ما زال أحدٌ يرى أن يختارون الرأى الأصلح كما كنت تأمل هل كلامك عن الفطرة السليمة التى ستسوقهم لكره الدم وإيثار المحبة والسلام واقعًا؟ الواقع الأليم هو أن ما يرونه خيرًا غير ما نحسبه خير فهاهم كما ترى يختارون حسب أهوائهم واستعدادهم النفسى! والنتيجة ان استباح الموتورون القتل بإجماع الأئمة! ولا تقل "هذا لأن هؤلاء موتورون" وهل جاءت وهل تأتى وهل نخشى إلا الموتورين؟ نحن لا نعرف أن عمرو بن العاص كفَّرَ مسيحيى مصر حين فتحها واستباح دماءهم بألا قصاص له عليهم! بل أمَّنهم وأمَّن تجارتهم وحين أرسل يسأل عمر أيبيع المسلمون لأقباط مصر الخمر كان اجتهاد عمر أن "دعوهم يبيعونها وخذوا جزيتكم" ولا نعلم أنه ذبح خنازيرهم، وأفسد عليهم تجارتهم وطعامهم ولا هدم كنائسهم لا والله كان يرممها من بيت المال ويأمر لفقرائهم وشيوخهم من زكاته قائلاً: أنأخذهم شبيبة نتركهم شيبة!
الحقيقة أنا لا أدرى من اين جاء الائمة بهذه الفتوى! هل كانوا أعلم من عمر ولم يروا الرسول كما رآه ولا صاحبوه كما صاحبه! فتواهم هذه قلبت حياتنا جحيما وها هو يمر علينا عيدهم ونحن واضعين أكفنا على القلوب أن يصبهم أذى فنبات مكدرين ندعو الله أن تمر ليلتهم عليهم وعلينا بسلام وتكون لهم ولنا عيدًا ولا تنقلب على مصر كما أحب لها ولنا أعداء الحياة دعاة الموت مأتمًا وعويلا اللهم سلم أعيادهم وأرزق مصر سواء السبيل وأرزقنا الحسم فى مثل هذه الفتاوى الدموية وليمت من يريد الموت وحده بعيدًا عن الدين وعن الإسلام!
*استاذ بطب قصر العيني
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة