ورش الكتابة، كلمة كلما تردد ذكرها أو وجدت كإعلان على مواقع التواصل الاجتماعى، وجهت إليه أصابع الريبة، ونظر البعض إليها على أنها "سبوبة" يسعى القائم عليها للكسب المادى مقابل إعطاء الباحث عنها روشتة "كيف تصبح مبدعاً؟".
هذه الورش التى لن تجد اجماعاً على إيجابياتها أو سلبياتها، تتنوع وتتزايد يوماً بعد يوم، فهناك ورش تقدمها مراكز ثقافية، تضع معايير تتعلق بالسن – على سبيل المثال – وورش أخرى يقدمها بعض الكتاب، وهذه تختلف معاييرها، فمن يعلن عن ورش لتعليم الكتابة وفق آليات السوق، وكيفية تسويق المنتج الأدبى مثل الاتجاه إلى السينما أو الدراما، وورش أخرى للكتابة من أجل الكتابة فقط.
وهذه الورش على تنوعها استطاعت أن تقدم بعض الأسماء الشابة التى تمكنت من أن تحصد الجوائز الإبداعية سواءً فى مصر أو خارجها، وبعض هذه الورش لم نر أى أثر لها فيما بعد، والبعض الآخر مازلنا ننتظر ما ستقدمه فى الفترة المقبلة.
حول هذه الجدلية، قال الناقد الدكتور حسين حمودة، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": ورش الكتابة، أيا كان شكل تنظيمها، يمكن أن تكون مفيدة، ولكن فى حدود. تستطيع ورش الكتابة أن توفر نقاشًا حول الأدب، وأن تفتح أبوابًا للحوار حوله، وأن تتيح مجالاً للتفاعل بين التجارب المتنوعة، ولكنها لا تستطيع أن تستنبت موهبة لا وجود لها.
وأضاف "حمودة": طبعًا أصبحت هناك ظواهر جديدة الآن فى ورش الكتابة التى تزايدت أعدادها، وتنوعت اتجاهات وتوجهات القائمين عليها، وتباينت أهداف من يشاركون فيها... وربما أصبحت أحيانًا أقرب إلى أن تكون "سبوبة".. وبعضهم بات يتصور أنها يمكن أن تقدم "وصفة" مثل وصفة الطعام للكتابة الناجحة. لكن هذا التوجه لا يمكن أن يساعد فى شىء.
وتابع حسين حمودة: كثير أو قليل على تقديم أدب ناجح أو حقيقي.. الأدب الحقيقى يصوغه مبدعوه الذين داخل كل منهم "ورشة كتابة دائمة".. لكن، مع ذلك، لا يستطيع أحد أن يمنع وجد ورش الكتابة القائمة، يمكن التمييز بين هذه وتلك، والتفرقة بين أهداف هذه وتلك، واختيار الحصول على فائدة محدودة من هذه دون تلك.
ومن جانبه قال الكاتب والصحفى شريف صالح، الحائز على جائزة دبى للصحافة الثقافية: بغض النظر هل القائم على الورشة فرد أم جهة مستقلة أم حكومية، تظل فلسفتها واحدة، وهى إمكانية "تنظيم الإبداع" وفق مجموعة من الأفكار والتدريبات العملية.
وأضاف "صالح": وبذلك يتلخص "الإبداع" من فكرتين مرهقتين، فكرة "وادى عبقر" حيث يهبط الجن والشياطين بوحى النصوص، وفكرة "القداسة" المبالغ فيها وكأنه شفرة ملغزة غير قابلة للفهم أو تبادلها كخبرة.
وتابع شريف صالح: فالإبداع - وهنا يجب أن نوسع مفهومه كى يتجاوز الأدب - هو ملكة.. بقدر ما تستقى جذورها من جينات واستعدادات خاصة، أو موهبة ذاتية، بقدر ما تتطور بالصقل والتدريب، وهكذا كان الحال دائمًا.. فلو رجعنا مثلًا إلى الموسيقيين والتشكيليين العباقرة سنجد أنهم مروا بمرحلة "الورشة" من خلال التلمذة على يد أساتذة مختلفين. وعلاقة تلامذة سقراط به - على سبيل المثال - كانت أشبه بورشة فى الهواء الطلق.
وأضاف "صالح": إذن الورشة ليست بدعة مخترعة ولكن أعيد إنتاجها بأدوات العصر.. حيث يتوفر الإنترنت وأجهزة العرض المرئى. وهى بالتأكيد قد تساعد المبدع فى تنظيم وعيه وتضع يده على مفاتيح مهمة.. لكنها لا تخلق مبدعًا من فراغ.. ولا تصنع موهبة من عديم الموهبة.. ولا تضيف لمن لا يملك الاستعداد.
وقال شريف صالح: لا يزعجنى تنوعها سواء من يسعى من ورائها لفك شفرة "البيست سيلرز" أو للحصول على "نوبل".. وسيان كذلك أن تكون مجانية أو بمقابل مادى قائم على العرض والطلب.. فالإبداع فى النهاية نشاط إنسانى يفترض أن يدر عائدًا على أصحابه، ويحدث أن يقوم بالورشة من لا يملك الخبرة، أو تتم فى أجواء غير مناسبة، لكن كل هذا سيؤدى إلى فشل الورشة وليس فشل الفكرة ذاتها.
وأضاف "صالح": لدى قناعة أخرى بأن الورشة إن لم تساعد المبدعين الشباب وتوفر عليهم الوقت والجهد فهى على الأقل تنمى الخيال وتشيع ثقافة عامة بالإبداع وكيفية فك شفراته وتذوقه، وهذا أيضًا أمر رائع دفع جامعات راقية لتخصيص أقسام للإبداع والخيال. ومن خلال هذه القناعات أقمت فى الكويت أكثر من ورشة إبداعية لأطفال وشباب وكنت راضيًا عن النتائج وأسعد عندما ألتقى أحدهم ويعبر لى عن امتنانه بأن الورشة فرقت معه كثيرًا.
ومن ناحية أخرى، قال الكاتب والمترجم محمد عبد النبى، ومؤسس ورشة "الحكاية وما فيها": برأيى أن ورش الكتابة أيضًا كانت فهى مفيدة للشخص الباحث عنها، وذلك لعدة أسباب، أولها أنه سيعرف إذا ما كان موهوباً أم لا، وذلك من خلال الاحتكاك بالآخرين وبالشخص المدرب وتعليقاته على ما يكتبه، وأيضًا ما يقدمه، ولو كان الشخص الباحث عن الورش صادقًا مع نفسه، فسوف يعرف نفسه.
أما عن الفائدة الثانية، فرأى محمد عبد النبى أن ورش الكتابة على أقل تقدير من الممكن أن تصنع قارئًا لديه حد أدنى من التذوق، مضيفًا: علينا ألا ننظر إلى ورش الكتابة باعتبارها "مغسل وضامن جنة"، وليس من المفترض أن ننتظر من الورش أن تخرج لنا مبدعين، لأن هذا الأمر يتوقف على الشخص نفسه، وليس المدرب، فالمدرب ينتهى دوره بانتهاء الورشة، ومن هنا يأتى دور الشخص المتدرب ليبدأ ورشته مع نفسه هو.
أما عن أهداف الورش التى تعلن مع فتح باب التسجيل فيها، فقال محمد عبد النبى: مهما كانت الأهداف عامة أو محددة، تسعى للتدريب على آليات السوق أو لا، فى النهاية فإن الحكم يكون على المنتج، وهل حقق هذا المنتج متعة القراءة أم لا؟.
وأضاف محمد عبد النبى: ولذا أرى أنه من الخطأ أن نذهب فى طريق التصنيفات الأدبية، وتقسيم الفن والإبداع، مثل روايات "البيست سيللر" أو "الأدب التجارى"، هذه التصنيفات فى النهاية فخ قد يأتى من الدراسات الأكاديمية أو بعض النقاد أو غير ذلك، ولكن ما اتفق عليه واهتم به هو متعة القراءة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة