تعيش الرباط لحظات سياسية حاسمة فى انتظار خروج حكومة عبد الإله بنكيران الثانية للنور، بعد تعثر دام أكثر من ثلاثة أشهر، وهى الأزمة التى كشفت على مدار جولاتها ضعف حزب العدالة والتنمية الإسلامى – إخوان المغرب – على الصعيدين الشعبى والسياسى، حيث فشل فى حصد أغلبية حاسمة فى انتخابات أكتوبر الماضى تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، كما أخفق فى التوصل إلى تحالفات تضمن له تشكيل حكومة ائتلافية.
ووسط الصراع الذى ظهر بين الأحزاب المغربية على التشكيل الحكومى ظل الملك محمد السادس يراقب الأوضاع عن بعد دون تدخل، وذلك على الرغم من دعوات الكثير من السياسيين للملك باستخدام حقوقه الدستورية لحل تلك الأزمة التى أصبحت تؤثر على إدارة البلاد، ويأتى صمت الملك فى الوقت الذى يستقوى فيه عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطنى للأحرار والملياردير المغربى بقربه من القصر.
هذا القرب يستغله أخنوش لفرض عراقيل أمام بنكيران حتى أصبح الأول له الكلمة العليا فى التشكيلة الحكومية، فاضحا بذلك ضعف الحزب الإسلامى على الساحة السياسية، وهو ما دفع رئيس الحكومة بالتلويح بتقديم استقالته إذا استمر التعقيد يواجه طريقه، وقال موقع المغرب اليوم أن بنكيران أبلغ عددا من مقربيه أنه كتب استقالته ولم تبق غير خطوة واحدة وهى توقيع هذه الاستقالة وأنه لن يتردد فى ذلك إذا لزم الأمر.
وصول بنكيران لمرحلة إشهار استقالته تعد تعبيرا عن يأسه من وضع حلول للأمور، فبعد أن قادت الصدفة الفرصة لحزب العدالة والتنمية لتخطى العقبات التى كانت تعوق وصوله إلى الحكومة عاد الأمر للمربع صفر مرة آخرى، حيث كان بنكيران يقف عاجزا أمام فيتو حزب التجمع الوطنى للأحرار الذى يرأسه عزيز أخنوش وزير الفلاحة فى الحكومة الحالية والقريب من الملك، والذى أكد لبنكيران أنه لن يشارك فى حكومته إذا أصر العدالة والتنمية على إشراك حليفة الإسلامى حزب الاستقلال.
وظلت أزمة تشكيل الحكومة لم تبارح مكانها مدة الثلاثة أشهر الماضية وسط محاولات فاشلة من الرئيس المكلف لإقناع أخنوش بالمشاركة فى الحكومة، حيث يسعى بنكيران لاسترضاء الحزب الذى فرض سيطرته على الساحة السياسية المغربية بقوة، والذى دعمه أكثر قربة من القصر الملكى، حتى أن بنكيران أعلن صراحة أنه لايمكن تشكيل حكومته الجديدة بدون حزب التجمع.
ووقف زعيم الحزب الإسلامى فى المغرب حائرا بين استرضاء حزب التجمع وحليفه حزب الاستقلال على أمل الوصول لصيغة تجمع كلاهما فى حكومته الجديدة، حتى قادت الصدفة رئيس حزب الاستقلال حميد شباط إلى الإدلاء بتصريحات غير محسوبة حول موريتانيا، والتى أكد فيها أن "موريتانيا أراضٍ تابعة للمغرب" ما أدى إلى تصعيد الخلاف بين الرباط ونواكشوط.
تصريحات شباط تم استغلالها سياسيا للإطاحة به وبحزبه من الحكومة، واستغل بنكيران، مرغما تلك التصريحات للإطاحة بحليفه من الحكومة ليخرج بذلك أخنوش فائزا فى أولى معاركة السياسية، وأجرى العاهل المغربى الملك محمد السادس، اتصالا هاتفيا مع الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز، عبر خلاله عن دعمه لمشاعر الصداقة الراسخة وعلاقات حسن الجوار والتضامن بين البلدين، وقام بنكيران بزيارة موريتانيا متبرئا من تصريحات حزب الاستقلال.
واليوم وبعد زوال فيتو أخنوش عن حكومة الإخوان الثانية فى المغرب عاد لوضع عراقيل جديدة، حيث يطالب بنكيران بإشراك حزبى الاتحاد الاشتراكى والاتحاد الدستورى فى مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، وهو الأمر الذى يرفضه بنكيران حيث طالب بإبعاد هذين الحزبين.
ويبدو أن الحكومة المغربية لن ترى النور قريبا على الرغم من أن الملك كان يرغب فى بدء عمل الحكومة قبل انعقاد القمة الإفريقية نهاية يناير الجارى والتى ستعيد الرباط إلى منظمة الاتحاد الإفريقى بعد أكثر من ثلاثة عقود على مقاطعته، وحتى بعد الانتهاء من التشكيلة الحكومية ستظل أصداء الأزمة السياسية الأعتى التى مر بها حزب الإخوان فى المغرب لفترة طويلة فى الشارع المغربى، والتى ربما تخيم على مستقبلة السياسى فى المرحلة المقبلة فى ظل صعود قوة حزب التجمع القريب من البلاط الملكى حتى أصبح رقما صعبا فى المعادلة السياسية المغربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة