كان الكابتن محمود الجوهرى المدير الفنى للمنتخب المصرى لكرة القدم فى تسعينيات القرن الماضى يحقق إنجازاته العظيمة، فى نفس الوقت الذى ترتفع فيه أصوات مطالبة بإقالته بزعم أنه يلعب بطريقة دفاعية تخلو من أى متعة كروية، ولم يتخل الرجل عن طريقته التى صعد بها إلى كأس العالم عام 1990 وفاز بكأس الأمم الأفريقية عام 1998، وفاز بالميدالية الذهبية للدورة العربية عام 1992، بخلاف إنجازاته الهائلة مع الأهلى والزمالك، وحين طويت صفحته من التدريب فى مصر وانتقاله إلى الأردن، بقى متفردا فى إنجازه ورمزيته فى الذاكرة كنموذج رائع فى الإنجاز القائم على الفهم والكد والتخطيط
أذكر الجوهرى، وعينى على حفلة التقيطع التى مارسها البعض ضد الأرجنتينى «كوبر» المدير الفنى لمنتخبنا القومى رغم صعوده بنا إلى كأس العالم فى روسيا عام 2018، وبالرغم من جدية عدد قليل فى النقد الموضوعى لفكر الرجل، إلا أننا وجدنا حفلة تنويعات غريبة فى الهجوم عليه، كوصفه بـ«البركة» و«مولانا» و«الشيخ»، وتلبيسه بعباءة شيخ كرمز دينى، والقصد هو نزع أى فضل له ولباقى المنظومة فى صعودنا إلى كأس العالم، وأن القدر وحده هو الذى وقف إلى جانبنا.
الحديث على هذا النحو اختلط فيه الصالح بالطالح، غير أن المثير فيه أننا أصبحنا جميعا مدربين وخبراء نفهم فى كرة القدم ولهذا نملى على كوبر وأمثاله الخطط، ونضع له التشكيل، ونقدر له اللاعبين، ونملى عليه أن رمضان صبحى أفضل من ترزيجيه أو العكس، ونحاسبه إذا لم يضع صالح جمعة فى التشكيل ويلعب به من البداية؟ ونسأله: لماذا تتمسك بمحمد الننى لاعب الإرسنال الإنجليزى؟، ونوجه السؤال دون أن نلتفت إلى أننا أمام لاعب من العيار الثقيل، يلعب بثبات وثقة، وتذكرنا حالته بحالة الجوهرى أيام كان يستعين بلاعبين لا دمهم تقيل على قلب الجمهور، ويترك لاعبين تعشقهم نفس هذه الجماهير، وكان الجوهرى شأنه فى شأن أى مدير فنى فى العالم يواجه ذلك، بأن الفيصل عنده هو، لاعب ينفذ خطته التى ستقوده إلى الفوز، وليس لاعبا لديه كل المهارات لكنه يدخرها لنفسه وليس لصالح الجماعة.
لا يتحدث أحد من هؤلاء عن أن كوبر استلم أوضاعا مهلهلة فى حالة كرة القدم فى مصر، فبعد ثورة 25 يناير دخلنا فى ثبات عميق، فلا دورى منتظم، ولا مسابقات دولية نفعل فيها شيئا، وفى ظل هذه الظروف الصعبة كان التحدى الكبير أمامه هو إعادة تكوين فريق قوى يستطيع به خوض المنافسات، ونجح، وكان وصوله إلى المباراة النهائية لكأس أفريقيا 2017 وخسارتنا أمام الكاميرون بهدفين لهدف أمارة نجاحه الكبرى الأولى، وكان طموحنا لا يزيد عن التمثيل المشرف.
بعد جولة كأس أفريقيا، صعدنا أخيرا إلى كأس العالم، وقل ما شئت فى هذا، قل إننا فزنا بالصدفة، أو أن أقدام غيرنا هى التى سهلت علينا المهمة، وقل إن الطريقة الدفاعية لمنتخبنا سيئة، وأنه لا يحب المجازفة الهجومية، لكن لا تنسى أن هؤلاء هم لاعبينا، وأن كوبر فهم إمكانياتهم، وأدارها على النحو الذى يحقق الفوز.
فعل كوبر كل هذا وهو يعى تماما أن التاريخ سيسجل له أنه قاد فريقا وصعد به إلى كأس العالم، وأن أحدا لن يعنيه ما إذا كان هذا الصعود بخطة دفاعية أو هجومية، فتحية إليه رغم أنف الذين جعلوا من أنفسهم مديرين فنيين وخبراء كرة قدم يفهمون ما لم يفهمه الجوهرى فى الماضى، ومالم يفهمه كوبر متعه الله بالصحة وإبداع التخطيط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة