أواصل قراءتى للعلاقات المصرية الأمريكية فى جانبها التاريخى، وذلك استنادًا إلى «دائرة المعرفة الدولية خلال الألفية الثالث».
كانت البداية هى مناقشات «النحاس - هندرسون» 1930، وبالفعل تحدث وقتها مستر فيتش موظف أمريكى بالسفارة الأمريكية فى لندن مع موظف بالخارجية البريطانية «المندوب السامى» حول أن المادتين 12، 13 من الدستور المصرى اللتين تنصان على الحرية الدينية متناقضتين مع الشريعة الإسلامية فأوضح الموظف البريطانى بأن وزارة الخارجية سعيدة بمعرفة وجهة نظر الخارجية الأمريكية، وأنه يدرك جيداً الصعوبات التى تواجه البعثات التبشيرية فى عملها التى تماثل الصعوبات التى تواجه البعثات البريطانية، وأشار الموظف البريطانى إلى أنه الموقف كما تتبناه الخارجية البريطانية هو أن الدستور المصرى فى المادتين 12، 13 ينص على على حرية الأديان بشرط ألا يتناقض ذلك مع النظام العام والأخلاق الحميدة، وأن الحكومة المصرية تعتمد على الشريعة الإسلامية أكثر من اعتمادها على الدستور، وقدم حلاً للموظف الأمريكى مؤداه التطور التدريجى، حيث ذكر أن التطورات ستؤدى إلى اتجاهات ايجابية لقضية البعثات التبشيرية، وأن التدخل الأجنبى – بشكل خاص فى مسألة الأديان، ربما يؤدى إلى معارضة أكيدة، وأكد للموظف الأمريكى بأنه ليس هناك أية اقتراحات لإقحام مسألة الحرية الدينية فى مصر فى الاتفاقية السياسية بين مصر وبريطانيا مثل المفاوضات الجارية الآن، وقال إنه لن تتخذ أية خطوات فى المفاوضات الجارية لحماية الحريات الدينية عن الموجودة فى الدستور المصرى، كما أخبر المندوب السامى البريطانى الوزير الأمريكى المفوض أن مسألة الحرية الدينية لا يمكن أن يلمح إليها رسمياً، وأضاف أن هناك عديداً من الموضوعات من المستحيل أن يتبناها الوفد المصرى فى المفاوضات الجارية الآن.
وفشلت الحكومة الأمريكية فى استغلال المناقشات التى دارت بين النحاس باشا وهندرسون 1913 لوضع ضمانات لحرية الأديان، وانتهزت الحكومة الأمريكية مفاوضات 1936 بين مصر وبريطانيا للمطالبة بمسألة حرية الأديان، ولكى تقحم هذه المسألة فى المعاهدة التى ينتظر توقيعها بين مصر وبريطانيا قدم المجلس التبشيرى العالمى المصى ثلاثة اقتراحات لحماية الحريات الدينية فى مصر أن يطلب من الحكومة المصرية أن تضع قانوناً مشابهاً للمادتين 23، 24 من قانون الأرث الفلسطينى اللتين تعطيان الحرية فى الأحوال الشخصية وتعفيان من أية عقوبات بسبب تغير الدين أو الجنسية «ب» أن حماية الأقليات مصانة من خلال أعلن تصريح 28 فبراير 1922 ويجب أن يتنازل عنها من خلال المعاهدة «1936» «ج» يجب أن تصدر الحكومة المصرية تصريحاً فيما يتعلق بحرية الأديان، مشابهاً للمادتين 15، 6 من تصريح المملكة العراقية وطالب الوزير الأمريكى المفوض مستر فيش أن تفاتح الخارجية الأمريكية الخارجية البريطانية بشكل غير رسمى، فى طلب ما إذا كانت اتخذت أية خطوات لحماية حرية الأديان فى مصر خلال الترتيبات الجديدة التى وضعت بين مصر وبريطانيا فى معاهدة 1936، كما طلب مستر فيش حكومته أن تعبر عن الأمل للحكومة البريطانية بمنح الاهتمام المؤيد للاقتراحات التى قدمها مجلس التبشير العالمى خاصة فيما يتعلق باقتراح إصدار تصريح مشابه لما أصدرته العراق حين انضمامها لعصبة الأمم، وأوضح المندوب السامى البريطانى مايلز لامبسون لمستر فيش الوزير الأمريكى المفوض أن الحكومة البريطانية توافق على الاقتراح بأن تصدر الحكومة المصرية اختيارياً، تصريحاً مشابهاً لما أصدرته العراق قبل انضمامها لعضوية عصبة الأمم أخبر مستر لامبسون مستر فيش أنه فاتح وزير الخارجية المصرى فى هذه المسألة وأن الوزير المصرى متفق معه تماماً فى الرأى بأن الممثلين المصريين فى جنيڤ سيعدون لمؤتمر مونترو، ونتيجة للخطابات المتبادلة، بتاريخ 8 مايو 1937 بين النحاس باشا رئيس الوفد المصرى فى المؤتمر وبرت فيش رئيس الوفد الأمريكى فى المؤتمر وعدت الولايات المتحدة الموافقة على شرط ألا يكون ذلك متعارضاً مع النظام والأخلاق العامة، وتتضمن ذلك كملحق لمعاهدة مونترو وطلبت الحكومة المصرية من الحكومة الأمريكية قائمة بالمعاهد والمؤسسات الأمريكية بمصر، العلمية والتعليمية والطبية والخيرية وغيرها وأرسلت الحكومة الأمريكية فى نهاية عام 1937 قائمة بمؤسستها فى مصر التى تريد أن تضمن لما حرية النشاط فى مصر وضمت خمساً وأربعين مؤسسة بين علمية وأثرية وتعليمية وطبية وخيرية.
ثانياً: النشاط التعليمى والخيرى الأمريكى فى مصر
ا- النشاط التعليمى للإرسالية الأمريكية : إزاء فشل المبشرين الأمريكيين فى نشر مذهبهم، نظراً لمقاومة الطوائف الإسلامية والمسيحية المحلية فإنهم حولوا نشاطهم إلى مجالات الطب والتعليم دون أن يتخلوا عن هدفهم الأساسى وهو التبشير فحينما جاء المبشرون الأمريكيون إلى مصر وجدوا نظام التعليم الحكومى قاصراً ويقوم على النظم القديمة، ومع بداية القرن التاسع عشر انتشرت المدارس الحديثة وأقبل عليها المصريون وكانت أكثر هذه المدارس الفرنسية وقد وجد المبشرون على الاقتراب من المسلمين بطريقة غير مباشرة وقد وجدوا أن التعليم أفضل هذه الطرق غير المباشرة، ومن أجل ذلك لا يجب ألا نستغرب إذ كانت أكثر مدارس البنين والبنات والمدارس الأمريكية خاصة لا تزال مرتبطة بالإرساليات، ومع أن الإرساليات التبشيرية تحاول النفوذ إلى الطوائف المسيحية كأن يكتسب البروتستانت نقراً من الأرثوذكس فإن المقصود الأول بالتبشير عن طريق التعليم هم المسلمون وخصوصاً بعد أن تبدلت الأحوال والعقليات بعد الحرب العالمية الأولى.. يتبع.