أثار الدكتور يوسف زيدان الجدل من جديد بتصريحاته التى تتناول شخصيات وأحداث تاريخية، تكون دائما مرتبطة فى أذهان أغلب المصريين بصور ذات تصل إلى التقديس، ليخرج هو عن المألوف ويظهر بعض الجوانب التى قد تعتبر خفية عن تلك الرؤى تُخلد فى أذهان البعض.
وآخر تلك التصريحات التى أطلقها "زيدان" أمس خلال لقاء تليفزيونى مع الإعلامى عمرو أديب على قناة "on e"، حيث حمل الزعيم أحمد عرابى احتلال بريطانيا لمصر قائلا: "أحمد عرابى ضيع البلد ودخلنا فى استعمار 70 سنة من الإنجليز، ولا عنده مخابرات عسكرية ولا أى حاجة وعاوز يحكم.. مسكين، والأفلام الهندى اللى درسناها شوشت على دماغنا".
آراء يوسف زيدان ربما لم تأت بجديد، فى ظل أن بعض الكتاب والمفكرين اتفقوا فما بينهم عن تلك الآراء التى ذكرها "زيدان" عن عرابى، بينما دافع آخرين حيث واصفوه بأنه قائد وزعيم تعرض للظلم والتجريح.
المعارضون.. محمد عبده: غير مدبر ولم يكن يهمه الإصلاح.. عبد الرحمن الرافعى: ذكاؤه محدود وغير مثقف وزلق اللسان
يأتى رأسهم المفكر الإسلامى الإمام محمد عبده، حيث وصف عرابى بأنه أحد أسباب فشل الثورة العرابية، وذلك لأنه غير مدبر وكان لا يخاف إلا على منصبه فقط، حيث قال فى مذكراته "مذكرات الإمام" حول حادث 1 فبراير 1881 عندما توجه إلى قصر الخديوى بقصر النيل: "كان فى استطاعه عرابى أن يطلب عزل رياض باشا، بل يطلب أكثر من ذلك، لما وصلت إليه الحكومة من ضعف كبير فى ذلك الوقت، ولا نحصار القوة بيد عرابى، لكنه غير مدبر.. فإن طلاب التغيير لم تكن لهم ثقة بعرابى ومن معه، حتى كانوا يفضون إليه بما يريدون، بل كانوا يظنون أن مجرد المقاومى والنزوع إلى نيل مطلب مطلب ما بالعنف والوصول إليه بالقوة يكفى فى أن يقدم استعفاءه، ولا حاجة إلى التصريح به لعرابى ومن معه خوف الإخفاق".
وتابع: "أما عرابى فلم يكن بباله، ولا يهتف به فى منامه، أن يطلب إصلاح حكومة أو تغيير رئيسها.. فذلك مما كان يكبر على وهمه أن يتعالى إليه، وإنما الذى أحاط بفكره وملك جميع مقاصده هو الخوف على مركزه مع شدة البغضاء لمن كان معه من أمراء الجراكسة، والمنافرة من عثمان باشا".
أما الكاتب عبد الرحمن الرافعى، فتحدث فى كتابه "الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى" فتحدث عن نشأة عرابى الحربية، مشيرا إلى أن نشأته عادية لرجل عادى ولم تتميز فى ماضيه بعمل من أعمال البطولة، ولم يخض غمار المعارك والحروب تى تتكون فيه الروح الحربية الطموح إلى عظائم الأمور.
أما من الناحية الثقافية فيرى "الرافعى" أن عرابى لم يكن على حظ كبير من العلم، حيث إنه لم ينتظم فى سلك المدارس، مكتفيا بمبادئ القراءة والكتابة والحساب، وبعض علوم الأزهر، ولكن فترته فيه لم تزد عن 4 سنوات وهى فترة غير كافية لينال طالب حظا من العلوم، بحسب وصفه.
وعن الثورة يقول الرافعى: تولى عرابى مهمة سياسية خطيرة، لأن قيادة الثورة هى عمل سياسى قبل شىء، على حين لم يكن له من الاستعداد السياسى ما يجعله أهلا لقيادته والسير بها إلى النجاح، وكل ما ميزه هو لسان زلق، وصوت جهورى، وخطيبا لبقا فصيحا".
ووصفه الرافعى أيضا قائلا: "كان ذكاؤه محدودا، وكان على جانب كبير من الغرور، والاعتداد بالنفس، وكان يعول كثيرا على أقول المنجمين والعرافين، وهذه جوانب صعف كبيرة فى شخصيته"، على حد تعبيره.
المؤيدون.. محمود الخفيف: زعيم وقائد ضاعت حسناته.. رجاء النقاش يؤيده: تعرض للتجريح والتشويه
على الجانب الآخر يرى بعض الكتاب أن عرابى تعرض للظلم والتشويه والتجريح وتم تزوير التاريخ، وأنه كان قائدا مخلصا وزعيم وكانت من بين تلك الكتاب محمود الخفيف ورجاء النقاش.
حيث وصف الخفيف عرابى بالزعيم ورمز المقاومة ونهضة الفكر فى مصر، وتحدث عنه فى مقدمة كتابه عرابى المفترى والمفترى عليه عن أنه رجلا ضاعت حسناته فى سيئاته كما ضاعت حسنات عرابى فيما افترى عليه من سيئات.
ويقول الكاتب: "ما كان عرابى فيما أعتقد إلا طالب حق يلحق فى طلب الحق الخطأ والصواب كما يلحق بغيره، ولعلى استطعت أن أجلو ذلك فى سيرته".. وتابع: "ومهما يكن من الأمر فما أحسب أن فى القائمين على عرابى من يستطيع أن يمارى فى أنه كان زعيم حركة وداعية فكرة وأنه – أخطأ أو أصاب- كان مخلصا فيما يفعل أو يقول، وأنه قبل ذلك كله وفوق ذلك كله كان أول مصرى فلاح فى مصر الحديثة نجم من بين الفلاحين فى قرية من قرى مصر فاضطلع بقضية من القضايا الوطنية الكبرى، ونادى على رأس المنادين بمطالب مصر، وصار اسمه فى ظرف من ظروف نهوضها علما على الجهاد ورمزا للمقاومة ومثلا للقومية حت شاءت الأقدار فامتشق الحسام وسار على رأس جيش من بينها الفلاحين يذود عن أراضيها ويقف غير طامع ولا هازل فى وجه الغادرين الباطشين من أعدائها.
رأى الخفيف أيده وبقوة الكاتب والناقد رجاء النقاش حيث يرى الأخير فى كتابه "رجال من بلادى" أن جميع الكتابات التى تناولت سيرة أحمد عرابى كامن مليئة بالتجريح والافتراء وعدم الإنصاف والتشويه الكامل، وظل "عرابى" فريسة للظلم والتجريح حتى نهض محمود الخفيف فى كتابه العظيم، بحسب وصفه.
كما أكد "النقاش" أن كل الاتهامات التى تعرض لها عرابى من سخرية وتشويه ونعته بالخائن لبلاد والسبب الأصلى والوحيد للاحتلال الإنجليزى، إنها كلها تزوير وتلفيق وجناية على الحقيقة والتاريخ.
وأشار الكاتب إلى أن الخفيف أعاد النظر فى شخصية عرابى وثورته وقدم دفاعا رائعا قائما على أقوى الأدلة والبراهين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة