كانت إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول عدد حالات زواج الفتيات القاصرات فى مصر صادمة بشكل كبير، حيث بلغ عدد حالات زواج القاصرات فى التعداد الجديد 18.2 مليون حالة بين الفتيات دون سن 18 عاما، هذا الرقم يوجه اتهام لأطراف عديدة ولكن على رأسها المأذون الشرعى لأنه الطرف المسؤول عن تحرير عقود الزواج من عدمه وتوافر الشروط القانونية والشرعية فى العقد.
"اليوم السابع" أجرى جولة ميدانية فى منطقتى شارع فيصل ومدينة شبرا الخيمة، للبحث عن المأذون الشرعى فى مناطق تشتهر بالكثافة السكانية العالية، وكيف يتعامل أهالى تلك المناطق فى مسائل الزواج والطلاق، وبدأت الجولة على منطقة فيصل حيث تم رصد 12 مأذونا سواء يملكون مكاتب خاصة أو يعملون داخل المساجد التى قد يلجأ إليها المواطنين للبحث عن المأذون الشرعى، ولوحظ خلال الجولة انتشار لافتات وإعلانات المأذون الشرعى بشكل ملفت فى الشوارع الرئيسية، ولكن بأكثر من صيغة مختلفة، فمنهم من وصف نفسه بأنه المأذون الشرعى، وآخر متخصص فى الاستشارات الشرعية والقانونية، وآخر متخصص فى زواج الأجانب والحج والعمرة.
الاختلاف الذى حملته هذه اللافتات والإعلانات كان هو طرف الخيط للبحث عن حقيقة مكاتب المأذونين الشرعيين فى تلك المناطق، وبعد محاولات عدة للتواصل مع أصحاب تلك المكاتب فى منطقة الطالبية فيصل التقى "اليوم السابع" مع الشيخ صلاح مصطفى عبد الحليم، والذى بادر بإظهار بطاقة الرقم القومى الخاصة به لإثبات عمله كمأذون شرعى، مؤكدا أنه حرص على إظهار البطاقة لأنه الوحيد الذى يستطيع إثبات مهنته كمأذون شرعى رسمى ولكنه يعمل فى منطقة فيصل لعدم وجود مأذون شرعى بتلك المنطقة، بعكس المكاتب التى يدعى أصحابها أنهم مأذونين شرعيين.
ظاهرة زواج الفتيات القاصرات لم تأت من فراغ، فهى نتاج التجاوزات التى شهدتها مهنة المأذون الشرعى طوال السنوات الماضية ومنتحلى صفة المأذونين فى مصر فى غياب الرقابة، ويشرح الشيخ صلاح مصطفى عبد الحليم، كيف ساهمت تجاوزات بعض المأذونين فى ظاهرة زواج القاصرات، حيث يحصل كل مأذون شرعى على 5 دفاتر ورقية من بينها دفترى الزواج والطلاق، ويقوم بعض المأذونين الشرعيين بتوزيع دفاترهم الورقية على السماسرة وهم منتحلى صفة المأذون الشرعى فى المكاتب المنتشرة بالمناطق العشوائية مقابل نسبة لكل منهم، ووصف العلاقة بين الطرفين بأنها علاقة تاجر الجملة والموزعين التابعين له، علما بأن كافة الدفاتر التى توزع على المأذونين الشرعيين هى نموذج موحد على مستوى الجمهورية ولا يوجد فارق بينها إلا فى رقم التسلسل الذى يحصل عليه كل دفتر، ومن هنا يبدأ التلاعب فى عقود زواج القاصرات، لأن هؤلاء السماسرة لا يبحثون إلا عن الربح ومنها زواج القاصرات لأن تكلفته أكبر من الزواج الرسمى المطابق للشروط القانونية والشرعية.
وذكر الشيخ مصطفى عبد الحليم، أن توزيع دفاتر المأذونين الشرعيين هى التى فتحت الباب لظاهرة زواج القاصرات وغيرها من الظواهر التى تخالف القانون، حيث أصبح هناك وسيلة متاحة لتقنين الممارسات الاجتماعية الخاطئة لكل من يرغب فى ذلك، طالما أصبح هناك منتحلين لصفة المأذون الشرعى من معدومى الضمائر، مشيرا إلى أن هناك أصحاب مهن حرفية يمارسون عمل المأذون الشرعى منهم نجارين وجزارين وحلاقين بدون مؤهل.
وتنشأ المأذونية بقرار من وزير العدل ويكون لكل جهة مأذون أو أكثر، وفقا للائحة المأذونين المعدلة، وتختص دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية بالنظر فى تقسيم المأذونيات وضم أعمال مأذونية إلى أخرى، بالإضافة إلى امتحان المرشحين للمأذونية وتعيينهم ونقلهم وقبول استقالاتهم وتأديبهم.
وتشترط لائحة المأذونين، أن يكون المعين فى وظيفة مأذون حائزا على شهادة التخصص أو شهادة الدراسة العالية من إحدى كليات الجامع الأزهر، أو أى شهادة من كلية جامعية أخرى تدرس فيها الشريعة الإسلامية كمادة أساسية.
وفى مدينة شبرا الخيمة لم يختلف الحال كثيرا عن الوضع فى شارع فيصل، حيث ينتشر ما لا يقل عن 40 سمسارا ينتحلون صفة مأذون شرعى، وفقا لتقدير الشيخ إبراهيم على سليم المأذون الشرعى كما هو مسجل فى بطاقة الرقم القومى، وهؤلاء السماسرة هم الباب الخلفى لزواج القاصرات لأنهم غير مؤهلين للمهنة، ولا علاقة لهم بالشروط الشرعية للزواج ومن أهمها السن المناسب للزواج وفقا للقانون.
وسرد الشيخ إبراهيم على واقعة طريفة، حيث فوجئ خلال تجوله بأحد شوارع منطقة بيجام بوجود لافتة لشخص يدعى بأنه مأذون شرعى، فسجل رقم هاتفه الموجود على اللافتة وأتصل به للتأكد من هويته، وعندما أخبره الشيخ إبراهيم بأنه المأذون الشرعى وأنه سيتقدم ببلاغ ضده لنيابة الأموال العامة واتهامه بانتحال صفة موظف عام، سارع هذا الشخص على الفور بإزالة اللافتة وأحضرها إلى مكتب المأذون الشرعى ليحتفظ بها ومازالت موجودة عنده حتى الآن.
وأكد إبراهيم على، أن المأذون الشرعى لا يمكنه المخاطرة بسمعته والتورط فى عقد الزواج للقاصرات رغم الإغراءات المالية التى تعرض مقابل هذه العقود، بعكس مكاتب السماسرة التى تعمل تحت الطلب، مشيرا إلى أن الحل الوحيد للقضاء على ظاهرة زواج القاصرات هو تعميم تجربة المأذون الإلكترونى أسوة بما هو مطبق حاليا فى دولة الإمارات العربية، والمملكة العربية السعودية، للقضاء على ظاهرة الدفاتر الدوارة، حيث إن هذه التجربة ستجبر المأذون الشرعى على التعامل مباشرة مع طرفى الزواج بدون وسيط أو سمسار، كما أنها تقضى على فرص التحايل فى إدخال بيانات مغلوطة لسن الزوجة، لأن هذا الجهاز من الممكن ربطه بشبكة بطاقات الرقم القومى وبالتالى رفض تسجيل بيانات الزوجة فى حالة المخالفة.
وأوضح الشيخ إبراهيم على، أن الدولة يحسب لها الانتباه لحالات التحايل فى تسجيل بيانات الزواج، ومن بينها الزام المأذون الشرعى بتسليم المحكمة نسختين من عقد الزواج الأولى خاصة بالمحكمة والأخرى تسلمها المحكمة إلى السجل المدنى لتجنب تعمد بعض المأذونين إسقاط نسخة السجل المدنى، بناء على رغبة بعض السيدات حتى لا يتعرضن لقطع المعاش الذى يحصلن عليه وفقا لقانون التأمينات.
وعرض "اليوم السابع" أسماء الـ12 مأذون الذين تم رصدهم فى منطقة فيصل على الشيخ محمد مصلح زقزوق رئيس نقابة مأذونى مصر، لتحديد ما إذا كانوا مسجلين كمأذونين شرعيين من عدمه، وتبين أن 2 منهم فقط يعملون كمأذون شرعى ولكنهم مسجلين فى مناطق أخرى من بينهم الشيخ صلاح مصطفى عبد الحليم الذى سبق ذكر كلامه، والباقى لم يتم التعرف عليهم، وقال الشيخ محمد مصلح، إن هناك عدد أكبر من هذه الأسماء ينتحلون صفة المأذون الشرعى فى منطقة فيصل، مؤكدا أن المنطقة يعمل بها بشكل عام 5 مأذونين شرعيين مسجلين فى مناطق متفرقة ليس من بينهم شارع فيصل.
وأوضح محمد مصلح زقزوق، أن هناك عددا من المناطق الموبوءة ينتشر فيها ظاهرة منطقة فيصل تعتبر من أكثر المناطق الموبوءة ويوجد بها كل ما تتخيله من إجرام يهدد مهنة المأذونين فى مصر، لافتا إلى أن المنطقة ذات طبيعة خاصة لأنها مقسمة بين عدة مناطق وتتبع أكثر من منطقة إدارية ومن الصعب تعيين مأذون شرعى للمنطقة، حتى المأذون الشرعى الوحيد الموجود فى منطقة بين السرايات وهى المنطقة الأقرب لشارع أول فيصل توفى منذ عامين ونصف وحتى الآن لم يعين بديلا له، ورغم ذلك مازال المكتب مفتوح حتى الآن ويعمل به مجموعة من المنتفعين.
وقال محمد مصلح، إن هناك مناطق من الممكن أن يتواجد بها مأذونين شرعيين ورسميين معينين فى الأقاليم، ولكن هؤلاء فى النهاية يخضعون للرقابة والمتابعة من نيابة الأموال العامة والقضاة، ولكن السماسرة اللذين ينتحلون صفة المأذون لا يخضعون لأى رقابة أو محاسبة، وهو ما يترتب عليه وجود عدد من المناطق الموبوءة على رأسها شارع فيصل.
وأكد محمد مصلح زقزوق، أنه اجتمع مؤخرا مع مباحث الأموال العامة من أجل عرض المشاكل التى تواجه هذه المهنة وعلى رأسها من ينتحلون صفة المأذون الشرعى، ولكن حتى الآن لم نشهد أى تحرك ملموس للقضاء على هذه المكاتب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة