محمود حمدون يكتب : إفلاس

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017 04:00 م
محمود حمدون يكتب : إفلاس مدرس فى فصل -ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رأيته منذ سويعات فأيقنت أن الزمن يترك ندوبا لا تخطئها العين على ضحاياه من البشر .لقد أدركته مدرسا لامعا فى اللغة العربية يشق طريقه صاعدا فى مجاله , يقفز الطموح من عينيه , لكن تلازم طموحه مع سوء حظ كتوأمين وُلدا فى بطن واحدة .

 حتى يوم سقطت تحت قدميه " إعارة " لدولة خليجية ,كانت حبل نجاة بعد شظف من عيش وبؤس كبيرين , فباع جميع ما يملك على ندرته واحتفظ بدراجته القديمة وشقته المتواضعة بحى شعبى لهاجس أرّقه وحذر استقر بداخله .

قال ونحن نحتسى فنجانى قهوة سوداء : قبيحة سنوات الغربة والأشد قبحا أن تدّخر كل قرش على أمل العودة والتمتع بما تجنيه ..

قلت : فعلا وسمعت عن كثيرين فعلوا مثلك فللغربة ثمن ولا ريب , وهززت رأسى أسفا ..

نظر متعجّبا وأكمل حديثه : لقد نسيت سوء الحظ واعتقدت أنه هجرنى مع الفقر وأن الدنيا قد دانت بعد جفاء . لكن هيهات .!

وكيف ؟

لقد عدت بعد سنوات تقترب من الثمانية من غربة مريرة ومعى مبلغ كبير من العملة الصعبة , خشيت عليها وعلى عمر ضاع فى اكتنازها فى وقت كانت شركات توظيف الأموال تملأ العين وتسد علينا منافذ الهواء ويتقدمها شيوخ أجلّاء نقدّرهم يروجون لعظيم فعالها وشرعية نشاطها , لكنى والحق قد ساورتنى مخاوف بشأنها وخشيت من الاندفاع وراء الوهم .

= قلت : أحسنت وفعلت الصواب ..

قال : ألا تصمت قليلا حتى أكمل لك حكايتى أم أنصرف ؟!

 ضحكت على استحياء معتذرا , وأردف : هدانى تفكيرى إلى إيداع كل ما أملك فى أحد المصارف حيث الأمان للمال وإن قلّ العائد..

= فعلت الصح كعهدى بك ..

نظر إلى وقد احمرت عيناه غيظا , فالتزمت الصمت وأطرقت للأرض آملا فى خلاص من هذا الموقف , ثم استأنف حديثه : فأودعت مالى مصرفا أجنبيا بحثا عن فائدة أعلى ورغبة فى هدوء أتمتع به ما بقى من عمرى .. أودعت مالى " بنك الاعتماد والتجارة ".

هنا لم أتمالك نفسى فانفجرت فى نوبة من ضحك هيستيرى أصابتنى ولم أتخلص منها إلاّ بعد دقائق , واعتذرت بشدة , لكنى وجدته هادئا صامتا ينظر للفراغ بنهم عجيب , وقال: سوء حظ لازمنى طوال حياتى فقد ضاعت " تحويشة العمر " فى مصرف أشهر إفلاسه عالميا , مرّت بيننا لحظة صمت استمرت قرابة دقيقة ثم نظرنا لبعضنا وانفجرنا فى ضحك صاخب , قام وطلب بأدب أن أدفع له حساب القهوة وانصرف يتأرجح على دراجة قديمة تصدر صريرا كأنما تنعى سوء حظ لازمها مع صاحبها.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة