أواصل قراءاتى للعلاقات المصرية الأمريكية فى جانبها التاريخى، وذلك استنادًا إلى «دائرة المعرفة الدولية خلال الألفية الثالثة».
فى عام 1881 حاول الشيخ محمد عبده أن يضع المدارس الأجنبية تحت إِشراف نظارة المعارف، ولكن أحداث الثورة العرابية المتلاحقة حالت دون تنفيذه، وفى إطار خطة الحكومة المصرية للإشراف على المدارس الأجنبية صدر القانون رقم 40 لعام 1934 وهو أول قانون للدولة للإشراف على المدارس غير الحكومية، وسوف نذكر المواد التى تهمنا من هذا القانون لنرى إلى أى مدى أثر هذا القانون على المدارس الأجنبية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، فالمادة الأولى حددت المدارس الحرة التى ستكون خاضعة لرقابة وتفتيش وزارة المعارف العمومية بالمدارس غير الأميرية التى تعد لا تتبع مناهج الوزراة فإن الشروط التى نص عليها القانون حددت مدى إشراف الدولة على جزء من المدارس، وحددت المادة الثالثة الشروط الواجب توافرها فى مدير المدرسة أو من يعمل بها ولكنها لم تشترط أن يكون مصرى الجنسية، كما لا يوجد شرط فى القانون يحدد نسبة هيئة التدريس من المصريين الذين يعملون فى هذه المدارس بالنسبة لغيرهم من الأجانب، كما نص القانون أيضاً فى المادة الحادية عشرة أنه يجب على المدارس الحرة أن تكفل للتلاميذ المصريين الحصول على مستوى علمى معادل لمستوى زملائهم فى المدارس الأميرية فى اللغة العربية، وتاريخ وجغرافيا مصر، والتربية الوطنية، وتكون هذه المقررات موضوعاً لامتحان يعقد بإشراف وزارة المعارف، وبالتالى فقد حتم القانون تفتيش وإشراف وزارة المعارف على كل المدارس التى يتقدم طلابها للامتحانات الحكومية، وكذلك على مدارس الإرسالية الأمريكية المنتشرة بمصر التى لم تستوف الشروط الواردة فى القانون، أما أن تقوم بتنفيذ الإصلاحات التى طلبتها الوزارة أو تغلق أبوابها، مما اضطر الإرسالية الأمريكية أن تغلق كثيراً من المدارس التى لم تستوف الشروط، وكان نتيجة ذلك انخفاض المدارس الأمريكية إلى 37 مدرسة فقط بعد أن كانت 78 مدرسة فى العام الدراسى 1927-1928 أى انخفضت المدارس الأمريكية إلى 52.56%.
أما بالنسبة لتقييم سلبيات وإيجابيات دور الإرسالية التعليمية، فإن عمل الإرسالية لم يكن كله سلبياً وتنصرياً واستعماراً، كما يدعى كثير من الكتاب، ولكن الإرسالية فى عملها التبشيرى من خلال المدارس قد قدمت سلبيات وإيجابيات للمجتمع المصرى، وأهم الإيجابيات التى قدمتها الإرسالية الأمريكية للمجتمع المصرى هى:
1 - اهتمت الإرسالية الأمريكية - مع المؤسسات التعليمية الأخرى بمصر - بتثقيف وتعليم المرأة، وذلك لإدراكها أن المرأة المصرية لاتتمتع بمكانة المرأة الغربية، وأن كان هدف الإرسالية الرئيسى من تعليم المرأة وبث التعاليم المسيحية للأسرة المصرية.
2 - اهتمت الإرسالية الأمريكية بتعليم المكفوفين، وافتتحت لهم فصولاً فى عدد من مدارسها المختلفة، وأن كان الأزهر يقدم هذه الخدمة قبل الإرسالية فإن الإرسالية الأمريكية فى تعليمها للمكفوفين قدمت لهم أساليباً تربوية حديثة ومعدات وأجهزة لم تكن متوفرة للأزهر، وذلك لجذب المكفوفين إلى هذه الدروس وبث تعاليم المسيحية بينهم.
3 - اهتمت الإرسالية الأمريكية برعاية الطفولة فأقامت الكثير من المؤسسات الاجتماعية التى تهتم بتربية الأطفال، التربية النفسية السليمة، وإن كان هدف الإرسالية التأثير على الأطفال منذ نعومة أظافرهم حتى يشبوا أكثر انتماء للإرسالية وإيماناً فإنها خدمة للمجتمع المصرى لم تكن متوفرة له حينذاك.
4 - قدمت الإرسالية الأمريكية عدداً من الشباب المصرى والفتيات المصريات الذين يجيدون اللغات الأجنبية كتابة ومحادثة وعلى درجة رفيعة من التعليم.
الجوانب السلبية للإرسالية الأمريكية فى مصر:
1 - ساعدت الإرسالية الأمريكية من خلال مدارسها - هى والإرساليات الأجنبية الأخرى - على تنوع الثقافة فى مصر، وكان لذلك أثره السلبى خصوصاً إذا تعددت الثقافات فى الأسرة الواحدة من عربية إسلامية وأمريكية وإنجليزية وغيرها، وبالتالى يصبح المجتمع المصرى وكأنه جاليات أجنبية مختلفة ويؤدى فى النهاية إلى تجزئة المجتمع المصرى، وعدم خلق ثقافة مشتركة تساعد المواطنين جميعاً على الالتفاف حولها.
2 - أهملت الإرسالية الأمريكية تدريس اللغة العربية فى مدارسها مما أُثر فى نظر طلابها المتأففة من الثقافة العربية، مما يؤدى فى النهاية إلى انفصالهم عن القضايا المصرية واهتمامهم بتفوق الدولة التى تعلموا فى مدارسها.
3 - قامت الإرسالية الأمريكية من خلال التعليم بسحب عدد من الأقباط والمسلمين إلى المذهب البروتستانتى بطرق ملتوية فى مجتمع لا يقبل بسهولة تغيير دين فرد من أفراده، مما ساعد على حدوث بلبلة فى المجتمع المصرى، خصوصاً فى الثلاثينات من هذا القرن.
النشاط الخيرى للإرسالية الأمريكية:
تبقى نقطة واحدة لإغلاق ملف النشاط التبشيرى وهى النشاط الخيرى للإرسالية الأمريكية، وتتمثل فى المستشفيات والملاجئ الأمريكية فى مصر، وقد كان الهدف الأول من عمل الإرسالية الطبى هو التبشير، ويصرح بذلك أحد هؤلاء المبشرون إذ يقول يجب ألا تنسى الإرساليات الطبية لحظة واحدة أن هدفها الأول التى جاءت من أجله وهو التبشير وقد استغلت الإرسالية الأمريكية سوء الأحوال الصحية فى مصر للتبشير، ويكفى فى ذلك أن نشير إلى ما أورده لورد كرومر فى تقريره عن سنة 1903 من أن الوظيفة الأساسية للحكومة فى مسائل الصحة العامة هى الوقاية من الأوبئة، وليس علاج الأشخاص الذين يشكون الأمراض العادية، وكانت العملية التبشيرية تقوم فى المستشفى بطرق تدريجية فكانت الصلاة تقام قبل كل عملية وفى كل جناح من أجنحة المستشفى. يتبع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة