النزعات «الانفصالية» التى تعانى منها المنطقة ما بين سوريا والعراق وغيرها، وضعف دور «الدولة» الأمر الذى حذر منة الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقديمة رؤية جديدة للدولة الوطنية الحديثة، تجعلنا- حتى إن كنا غير مؤهلين للتفكك، إلا أن النار تأتى من مستصغر الشرر، ولذلك كان لابد من التحذير من ظاهرة جديدة بدأت فى النشوء فى الأربعين عاما الأخيرة، وبالتحديد منذ أن تحالف السادات مع الإخوان وأسس محافظ أسيوط الأسبق محمد عثمان إسماعيل وصهر السادات المهندس عثمان أحمد عثمان الجماعة الإسلامية ليضرب بهم اليسار فى الجامعات، وبعد أن أجهز هؤلاء على الحركات الطلابية والشبابية، تفرغوا لعدو جديد وهو «النصارى»، وشهدت مصر بعد مصرع الرئيس السادات موجة إرهابية منظمة من تنظيمات الجماعة والجماعة الإسلامية، وكانوا يقودون حرب استنزاف منظمة ضد الدولة المصرية، خاضت الجماعات المتطرفة طوال الفترة من 1972-1995، كانت بداية العنف المستتر فى أحداث الخانكة 1972، وامتدت حتى 1976، ثم انتقل مسلسل العنف 1977-1981. إلى المواجهة المسلحة والإيذاء البدنى للأقباط مثل حادث مقتل القس غبريال عبدالمتجلى كاهن كنيسة الملاك غبريال بقرية التوفيقية بمدينة سمالوط بالمنيا 1978، تلك المرحلة التى انتهت بمقتل الرئيس السادات فى 6 أكتوبر 1981. وغلب على العنف الدينى 72-1981 مظاهر العنف الطائفى المضاد للأقباط حيث بلغت نسبة العنف الموجه ضد الأقباط فى هذه المرحلة %68 من إجمالى عنف الجماعات المتطرفة، ومن عصر السادات إلى عصر مبارك.
وفى عهد الرئيس السابق مبارك استمرت الفترة من 1982-1985 فى حالة من الهدوء الحذر وانتظار تقديم حلول لجذور المشكلة بما فيها من جوانب اجتماعية واقتصادية بالإضافة لضيق الهامش الديمقراطى، ونتاج عدم البدء فى الحل عاد العنف من جديد منذ 1986 فى تطور مطرد، وتجاوز شكله الطائفى الموجه للأقباط وتعددت أوجه العنف من قبل المتطرفين، وطالت رموزًا للدولة ذاتها مثل مقتل رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب أكتوبر 1990 وجرت محاولات اغتيال لوزراء داخلية سابقين حسن أبوباشا مايو 1987 وزكى بدر ديسمبر 1989، والنبوى إسماعيل أغسطس 1989، ووزير الإعلام صفوت الشريف 1993، ووزير الداخلية الأسبق اللواء حسن الألفى 1993، ونجاته من الحادث ومقتل وإصابة عشرة مواطنين، وصولاً إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقى 25/11/1993، وأخيرًا محاولة اغتيال الرئيس مبارك فى أديس أبابا فى 20/6/1995.
وطالت رصاصات الإرهاب كتابًا مدنيين مثل محاولة اغتيال مكرم محمد أحمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور فى أغسطس 1987، واستشهاد المفكر د. فرج فودة 1992 بلغت أحداث العنف فى الفترة 1972-1993، «805» حوادث بلغت نسبة حوادث العنف الطائفى الموجه ضد الأقباط %30 منها تقريبًا، وكانت نسبة حوادث العنف الموجهة ضد رجال الأمن %51 وما تبقى كان ضد السياحة والمدنيين العزل، وبلغت نسبة الطلاب من مرتكبى العنف %47 والخريجين %22 ليشكل الشباب %69 من مرتكبى هذه الحوادث. ولكن العنف الموجه ضد الأقباط من قبل تنظيمى الجهاد والجماعة الجماعة الإسلامية اكتسب طابع أقرب إلى «الإبادة» والاضطهاد وشهد الصعيد حينذاك عشرة مذابح أدت إلى مقتل 157 قتيلا قبطيا، 811 جريحا، استحلال أموال وممتلكات 1384 قبطيا تم نهب ممتلكاتهم أو إتلافها وحرقها فى 324 حادثة، والاعتداء أو حرق أو هدم 103 كنائس فى الفترة من 1981 وحتى إسقاطه فى 2011.
لدى الباحث الأسماء والأماكن والتواريخ، وقد راعى الباحث التيقن من أن هؤلاء قد سقطوا كضحايا لأحداث طائفية مباشرة، أى أنهم قتلوا أو جرحوا أو نهبت أموالهم بصفتهم الدينية كمسيحيين.
فى هذا العصر الدامى دفع الأقباط سنوياً: أكثر من 5 قتلى، 27 جريحا، 3 اعتداءات على كنائس، ونهب وحرق وإتلاف ممتلكات 46 قبطياً، والمدهش أنه لا تعويضات دفعت، ولا قدم متهمون للمحاكمة «باستثناء الكشح والكمونى فى نجع حمادى»، وهكذا كانت تبنى الكنائس بدماء الشهداء والجرحى ودموع المصلين، وتم ابتكار الحلول العرفية، ولم يكن أمام الأقباط سوى التصالح من أجل الصلاة وحقن الدماء، ورغم أن أغلبية تلك الحوادث ارتكبها تنظيما الجماعة الإسلامية والجهاد فإن أحداً من أعضاء تلك التنظيمات لم يحاسب على تلك الجرائم، بل وكرموا أبان حكم الإخوان من خلال الإعلام والأحزاب الدينية، والبرلمان الذى أقر لهم قانون العفو العام على كل ما اقترفت أيديهم من جرائم ولطخت بالدماء من 1976 وحتى 2011، كل ذلك أدى لانفرد الإخوان ككيان منظم مؤهل للتحالف مع أى سلطة للاستيلاء على الحكم، وهذا ما حدث بعد ثورة 25 يناير 2011.
كل تلك المجاز أحدثت تغييرا ديموغرافيا تمثل فى:
أولا: هجرة حوالى مليون مواطن قبطى من محافظات (المنيا وأسيوط وسوهاج) إلى محافظة القاهرة والفقراء منهم ويشكلون %80 من المهاجرين شكلوا تجمعات قبطية فى حزام القاهرة «عزبة النخل والخصوص ومنشية ناصر» مثلا وهنا ظهرت التجمعات القبطية فى القاهرة، وآخرون تجمعوا فى بعض مناطق العامرية غرب الإسكندرية مثل قرية شربات مثلا.
أما فى الصعيد فهناك قرى كلها أقباط مثل نزلة عبيد ودير البرشا وأبوحنس ودير العذراء بجبل الطير بالمنيا والعزيزية بأسيوط إلخ ووفق تقديرات للباحث هناك حوالى حوالى %7 من القرى المصرية شهدت توابع لهذا الفرز الجديد.
فى السابق كان الأقباط يقطنون الحضر أكثر من الريف ويتجمعون بالقرب من مؤسسات الحكم طلبا للحماية ولكن الظاهرة الجديدة بالطبع تنبئ بالخطر وتهدد السلام الاجتماعى الأمر الذى يتطلب نحن بحاجة لدراسة أكثر لتلك الظاهرة وإعادة تأهيل تلك المناطق لدمجها عبر مشروعات من الدولة مجمعة مثل المدارس والمستشفيات والخدمات.. ولا نردد بيقين وطمأنينة عبارات النسيج والسبيكة لأن الأعداء يتربصون والثغرات يمكن أن تتسع، ولابد من أن تكون هناك رؤية جديدة لإعادة الدولة الوطنية الحديثة على قاعدة المواطنة وسيادة القانون، اللهم إنى قد بلغت اللهم فأشهد.