عباس شومان

قتل المسلم بغير مسلم

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حملة هوجاء تُشن على الأزهر الشريف بعد كل حادث إرهابى يقع على أرض الكنانة وربما خارجها خاصة الأحداث التى يكون أحد طرفيها أحد شركاء الوطن من الإخوة المسيحيين، حيث تُستغل كل مناسبة يقع فيها اعتداء لإثارة بلبلة وإشعال فتنة وإحداث جدل عقيم، وصرنا نعلم يقينا الأهداف الخبيثة من وراء هذه الهجمة الشرسة على الأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء، لكن المؤسف حقا أن يُستدرج أحد العلماء أو أحد المنتسبين للدعوة الإسلامية سواء من الأزهر أو من غيره ويمنح هؤلاء المتربصين والمغرضين وأصحاب المصالح ذريعة للنيل من الإسلام وتشويهه والهجوم الضارى على الأزهر الشريف، مرجعية المسلمين حول العالم، سواء بجهل بالمسألة محل التناول أو بسوء فهم للنصوص المعالجة لها أو بنقل آراء وإثارة مسائل تجاوزها الزمان والمكان دون مراعاة حال الناس وما طرأ على ثقافتهم وأعرافهم!
 
وقد شهدنا كثيرا من ذلك فى الأيام الأخيرة، ومنه ما أثير حول مسألة قتل المسلم بغير المسلم عقب الحادث الأليم المنكر الذى أودى بحياة القمص سمعان شحاتة، حيث ردد بعض الجهلاء عبارات تدل على تخلفهم وجهلهم المطبق بأحكام شريعتنا السمحة، ومنها أنه لا يقتص من مسلم لغير مسلم قتلا.
 
ونذكِّر بما سبق أن قلناه فى غير مناسبة، ومنه ما نُشر فى هذه الزاوية، بأنه لا خلاف بين فقهاء المسلمين سلفا وخلفا حول تحريم الاعتداء على غير المسلم فى بلاد الإسلام كحرمة الاعتداء على المسلم سواء بسواء.
 
وغير المسلمين فى بلاد الإسلام منهم من ينتمى إلى البلد نفسه ويحمل جنسيته كمسيحيى مصر، وهؤلاء مواطنون شأنهم شأن إخوانهم المسلمين، دماؤهم وأعراضهم وأموالهم حرام، ومنهم من ينتمى إلى بلد آخر ويحمل جنسيته لكنه دخل بلاد المسلمين للسياحة أو الدراسة أو العمل، كالسفراء وخبراء الشركات والمصالح المختلفة، وهؤلاء تعد تأشيرات دخولهم لبلادنا عقد أمان يوجب تأمينهم ومنع الاعتداء عليهم من غير نظر إلى عقيدتهم أو طبيعة العلاقات بيننا وبين دولهم، فإذا ما منحت الدولة المصرية مثلا تأشيرات دخول لأى شخص وجب الالتزام بمقتضاها حتى لو كان منتميا إلى دولة معادية وفى حالة حرب معنا، ولهذا لم يعاقب رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، رسولى مسيلمة الكذاب على الرغم من إساءتهما الأدب فى حضرته وتحدثهما وكأنهما جاءا من عند نبى وليس مدعيا للنبوة!
 
وقد اتفق الفقهاء كذلك على أن المسلم إذا اعتدى على غير مسلم فإنه يعاقَب بذات العقوبة المقررة فى اعتدائه على المسلم إلا فى حال القتل، فقد وقع خلاف بينهم فى القصاص من المسلم إذا اعتدى بالقتل على غير مسلم، لكن الحنفية ذهبوا إلى وجوب القصاص فى حال كون القتل عمدا، وإذا ما تمسك أولياء الدم بالقصاص ولم يقبلوا العفو أو الدية، فقتل المسلم بغير المسلم شأنه عندهم شأن قتل المسلم بالمسلم، لأن دم غير المسلم من المواطنين معصوم ومحرم على سبيل التأبيد كعصمة دم المسلم.
 
وهذا الخلاف الواقع فى القصاص من المسلم إذا قتل غير مسلم يرجع فى الأساس إلى الاختلاف فى فهم ما رواه البخارى: «... وأن لا يُقتل مسلم بكافر»، وما رواه أبو داود: «لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد فى عهده»، حيث فهم مَن منع القصاص من المسلم إذا قتل غير مسلم أن المراد بـ«الكافر» غير المسلم على الإطلاق، لكن المدقق يدرك أن «الكافر» فى هذين النصين هو غير المسلم المحارب للمسلمين، فتقدير حديث البخارى: «لا يُقتل مسلم بكافر حربى»، بدليل رواية أبى داود، ولو كان المراد أن المسلم لا يُقتل بغير المسلم على إطلاقه، ولا بالمعاهَد الذى ارتبطت بلاده بمعاهدة مع المسلمين، أو مَن دخل بلادنا بتأشيرة دخول رسمية كما فهم مانعو القصاص، لكان ينبغى أن يكون نص الحديث: «لا يُقتل مؤمنٌ بكافر ولا بذى عهد فى عهده»، لكن «ذو عهد» معطوف على «مؤمن»، والمعنى: لا يُقتل مؤمن بكافر حربى، ولا ذو عهد فى عهده بكافر حربى. وهذا الفهم هو الذى جعل الحنفية يقولون بالقصاص من المسلم إذا قتل غير مسلم، وجعل بعضهم يقول بقتل المسلم قصاصا إذا قتل معاهدا عهدا مؤقتا، وهو المسمى بالمستأمن.
 
والقول بالقصاص من المسلم متى قتل غير مسلم سواء كان مواطنا أو معاهدا أو مستأمنا بموجب تأشيرات الدخول الرسمية هو الراجح والمعوَّل عليه، وهو ما يبدو جليًّا من الفهم الصحيح للنصوص والجمع بينها فى إطار سماحة الشريعة وعالمية الرسالة، فضلا عن أنه يحقق مصلحة الإسلام وينفى عنه تهمة الدموية والتفريق بين المسلمين وغيرهم فى البلد الواحد، ويظهر المسلمين شعوبا متحضرة تحترم أتباع الديانات ولا تفرق بين رعايا الدولة المسلمة، ويقوى ذلك ويؤيده قول الله تعالى محذرا من قتل النفس البشرية أيًّا كانت عقيدتها: «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، ووصايا النبى، صلى الله عليه وسلم، لنا نحن المسلمين بأقباطنا، ومنها قوله: «استوصوا بأقباط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم فيكونون لكم عدة وأعوانا فى سبيل الله»، وقوله: «مَن قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا».
 
وعليه، فإن قتل غير المسلم ما لم يكن محاربا كقتل المسلم سواء بسواء تحريما وعقوبة، وهذا هو الفهم الصحيح للنصوص الواردة فى ذلك، وهو المعمول به فى قانون العقوبات المصرى، وهو ما ينبغى أن يكون فى ظل دولة المواطنة التى لا فرق فيها بين المواطنين على اختلاف معتقداتهم. وعلى الذين لا قدرة لهم على فهم النصوص على حقيقتها والجمع بينها وبين غيرها من النصوص الواردة فى المسألة، أن يتقوا الله ويبتعدوا عن تصدر المشهد الدعوى، وليتق الله مَن يستغل الفرص ويتذرع بذرائع واهية لتوجيه سهامه تجاه الأزهر وتحميله المسؤولية عن كل ما يحدث فى المجتمع، فلا ذنب للأزهر بتجاهل بعض الناس أو جهلهم بما يقوم به الأزهر من جهود مضنية على المستوى الفكرى والثقافى والدعوى والاجتماعى... إلخ، ومن ذلك توصيات المؤتمرات العالمية التى يعقدها الأزهر الشريف وعشرات المقالات والتصريحات والبيانات والخطب التى تحرم دماء شركاء الوطن وترفض وصفهم بالأقليات وتثبت لهم المواطنة الكاملة، ولو كلف هؤلاء أنفسهم عناء البحث قليلا فى الشبكة العنكبوتية لاكتشفوا جهلهم المخزى إن كانوا ممن يُخزى!
 
حمى الله بلاد المسلمين من الإجرام والمجرمين، والمغرضين والمتربصين، وهدانا إلى فهم كتابه وسنة نبيه فهما صحيحا يخدم الإسلام والمسلمين، ولا يهدد نسيج المجتمع ويشعل فتنة بين شركاء الوطن يحرص أصحاب المآرب الخاصة على إشعالها بين الفينة والأخرى.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة