تحولت أغلب دول أوروبا الشرقية إلى الحد من هيمنة القطاع العام، عبر عدة آليات أبرزها الهيكلة المالية وشراكة القطاع الخاص، لتقليل الخسائر والمساعدة على نحو الشركات مع اللجوء إلى تقليص عدد العمال.
وتركز أغلب الدراسات العالمية على عدة آليات لتقليص العمالة بطرق سليمة، منها ما حذر منه عدد من الخبراء، من النموذج الذى اتبعته دول جنوب آسيا وأمريكا اللاتينية فى تقليص عمالة القطاع العام، حيث لجأت لسياسات أدت بدورها إلى توجه العمالة المسرحة إلى صناعات أخرى غير مرغوبة.
ونصحت الدارسة باللجوء إلى طرق تدفع العمالة الزائدة إلى الرحيل عن المؤسسات بشكل طوعى، وهى الوسيلة المتبعة عادة لدى حكومات الدول النامية والمؤسسات متعددة الجنسيات وهو ما يدعمه البنك الدولى ولجأت إليه دول مثل المجر وبولندا وفرنسا أيضا.
المجر على سبيل المثال فى بداية برنامج الإصلاح ألغت العديد من الحوافز الإضافية لعمال القطاع العام نتيحة ما يحققه من خسائر وبطبيعة الحال نظم العمال المظاهرات، تماما كما نظم عمال غزل المحلة وغيرها المظاهرات لصرف أرباح رغم الخسائر، لأنهم اعتادوا على صرفها منذ سنوات.
المجر ألغت منحة الشهر الثالث عشر التقليدية التى يحصل عليها عمال القطاع العام فى إطار حملة التقشف فى البلاد بينما تحاول الحكومة كبح جماح العجز فى الميزانية والذى تفاقم ليصل إلى نسبة 9.2% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2006، وهو أعلى مستوى فى دول الاتحاد الأوروبى فى ذلك الوقت·
ثم حصلت المجر على قرض عاجل قيمته 20 مليار يورو من صندوق النقد الدولى والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى وسط مخاوف حيال عجز المجر عن الوفاء بالتزامات الديون المستحقة عليها وانهيار عملتها المحلية ''الفورينت".
ومن المعروف أن هناك 3 طرق لتقليص العمالة فى القطاع العام وغيره من القطاعات؛ باعتبارها الوسيلة المثلى لتحقيق أرباح والنهوض بالقطاع وبعضها يمكن تطبيقه فى مصر على شركات مثل القومية للاسمنت، والحديد والصلب وشركات الغزل والنسيج ونحو 20 شركة تزيد خسائرها عن 5 مليارات جنيه .
الطريقة الأولى
هى الاستنزاف، أى أن تلجأ المؤسسة إلى عدم الاستعانة بموظف جديد ليحل محل الموظف القديم الذى رحل عن المؤسسة وتحال مهام الموظف الراحل إلى الموظفين المستمرين فى المؤسسة، ويكون أمام الموظف الموجود حرية الاختيار بين المكوث أو الرحيل، وبالفعل يتم تنفيذ ذلك فى شركات قطاع الأعمال العام، حيث أصدر الدكتور أشرف الشرقاوى قرارا بمنع التعيينات تماما، والنتيجة خلال عام ونصف تقلص عدد العمال نتيجة المعاش.
الطريقة الثانية،
الرحيل الطوعى، أى تقديم مبلغ مالى مرضى للعامل أو الموظف يشجعه على ترك العمل، ويعوضه عن خسارة وظيفته، وهذا تم فى مصر مع بداية مشروع الخصخصة لكن بالفعل هناك ضرورة ملحة لإعادة تنفيذه فى العديد من الشركات الخاسرة والرابحة من خلال تقليص الإداريين، مع تقديم حوافز التقاعد المبكر، وفيها تعرض المؤسسات مبالغ مالية للموظفين مقابل تعهدهم بالرحيل عن المؤسسة فى المستقبل القريب، كما حدث مع عمال شركة طنطا للكتان.
الطريقة الثالثة
يتم خلالها التسريح القسرى، الذى يجرد الموظف من أى خيار، وهى آخر وأصعب خيار قد تلجأ إليه المؤسسة، ويلجأ فيها الموظفون عادة إلى القضاء.
يقول الدكتور رشاد عبده رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن تجربة أوروبا الشرقية فى القطاع العام بدأت فى بيع بعض الشركات، وبيع جزء من الأصول خاصة الأراضى والعقارات غير المستغلة، ثم أنشأت صناديق سيادية تدير الشركات وتستثمر فيها .
أيضا لجأت إلى دخول القطاع الخاص كشريك، والنتيجة نهضة كبيرة تحققت فى دول مثل المجر ورومانيا وبولندا وغيرها نتيجة بناء مصانع جديدة وشركات قوية نجحت فى المنافسة العالمية.
فتح ملفات القومية للأسمنت والغزل والنسيج
وأشار الخبير الاقتصادى رشاد عبده فى تصريحات لـ"اليوم السابع" أن قطاع الأعمال العام المصرى هو امتداد للقطاع العام، ويعمل فى كل المجالات تقريبا، ومع أهميته نركز على ذكر الإيجابيات، ونتجاهل السلبيات، ولا نسعى إلى تطويرها مثل شركات الغزل والنسيج والحديد والصلب والنقل والهندسة والقومية للاسمنت وشركات الأسمدة.
وأوضح أن الدكتور محمود محى الدين وزير الاستثمار الأسبق كان بصدد تنفيذ تجربة الصندوق السيادى على شركات قطاع الأعمال العام.
وقف تحويل العمال الفنيين إلى إداريين
وحول نجاح تجربة أوروبا الشرقية فى الحد من العمالة الزائدة قال إن من أزمات قطاع الأعمال العام و القطاع العام عموما بند العمالة الزائدة، وبالتالى لابد من تطبيق التجارب الناجحة أولا من خلال إعادة هيكلة شاملة للعمال ومنع تغيير المسمى الوظيفى بمعنى من بدأ العمل فى الشركة كفنى يظل كما هو ولا يتم تحويله لعمل إدارى، وهذا الأمر منتشر فى كل شركات القطاع العام، ولابد من وقفه فورا لأنه يدمر الشركات، فالعمال يحصلون على مؤهلات من جامعات خاصة وتعليم مفتوح ومعهد الخدمة الاجتماعية.
وقال: أيضا لابد من فتح الباب للمعاش المبكر للعمال ، حيث أن اغلبهم مصاب بأمراض مزمنة يتقاضون أجورهم بدون عمل فعلى مثل عمال القومية للاسمنت، لافتا أن المهم أيضا تدريب وتحسين كفاءة العمالة الفنية بشكل كبير مع حسن اختيار قيادات الشركات بعيدا عن القرابة والواسطة والمحسوبية ورئيس الشركة قريب فلان او علان.
واعتبر الدكتور رشاد عبده أن سوء اختيار رؤساء الشركات وأعضاء مجالس الإدارات وراء التراجع الكبير لها.
وتحقق عدد من شركات قطاع الأعمال العام خسائر نحو 5 مليارات جنيه فى حين تخطت أرباح الشركات الرابحة نحو 8 مليارات جنيه نتيجة تحرير سعر الصرف وزيادة الصادرات وأرباح النشاط الناتج عن ارتفاع أسعار المنتجات عالميا.
الشركات الخاسرة والرابحة فى قطاع الأعمال العام
ومن أبرز الشركات الخاسرة القومية للأسمنت خاسرة 971 مليون جنيه والحديد والصلب خاسرة 750 مليون جنيه والدلتا للأسمدة خاسرة 520 مليون جنيه والغزل والنسيج خاسرة نحو 1.7 مليار جنيه بخلاف 20 شركة تتراوح الخسائر من 350 مليون جنيه إلى نحو 6 ملايين جنيه.
فى حين تأتى شركة الشرقية للدخان، على رأس الشركات الرابحة بنحو 3 مليارات جنيه تليها شركات الحاويات ومصر للألومنيوم ومصر للتأمين.
ومنح وزير قطاع الأعمال العام الدكتور أشرف الشرقاوى حافز تميز للشركات الرابحة المليارية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة