لم أقرأ بعد مذكرات عمرو موسى التى أثارت جدلا كبيرا منذ صدورها قبل أسابيع، وبالتالى فإن تناولى لها نقدا أو تأييدا أمرا مؤجلا لحين قراءتها، غير أن ما يلفت الانتباه على هامش الضجة التى أثارتها هو أن بعضا ممن تحدثوا عنها كانوا حريصين مقدما على وصف صاحبها بعدة أشياء مثل: «أهم وزير خارجية فى تاريخ مصر» و«أكفأ دبلوماسى»، وأوصاف أخرى مشتقة جميعها من «أفعل التفضيل».
وللتذكير فإن هذه الأوصاف لم تولد مع مولد المذكرات، وإنما هى رائجة من سنوات طويلة، حتى قبل أغنية شعبان عبد الرحيم «أنا بكره إسرائيل، وأحب عمر موسى»، ولا أبالغ إذا قلت إنها أطلت منذ الأيام الأولى لتوليه وزارة الخارجية عام 1991، وكان ذلك فى عز الأزمة العراقية التى بدأت بغزو العراق للكويت فى أغسطس 1990، وحشدت أمريكا المجتمع الدولى لضرب العراق، وأذكر أن صحيفة الأهالى لسان حال حزب التجمع وكان يرأس تحريرها الأستاذ فيليب جلاب، نشرت بعد تعيينه بأيام حوارا معه أجراه«جلاب» وقدمه على أن وزير خارجيتنا الجديد يبلغ من العمر 55 عاما «مواليد 1936»، وهو صغير السن بالمقارنة مع الذين سبقوه فى هذا المنصب، وذهب «جلاب» إلى دلالات إيجابية من هذه الخطوة.
لم يلفت العمر الذى كان عليه موسى الأنظار كوزير خارجية بالمقارنة مع سابقيه وفقط، وإنما لفت النظر أيضا بالمقارنة مع أعمار عموم وزراء الحكومة وقتئذ برئاسة الدكتور عاطف صدقى، حيث كانت الانتقادات تذهب إلى ارتفاع معدلات أعمارهم، وهذا أمر اتسم به حكم مبارك، وكان محل نقد دائم وعنيف واتهام له بأنه تعبير عن «شيخوخة المجتمع» بفضل السياسات التى يتبعها، وهذا سياق لا يجب تجاهله ونحن ننظر بالتقييم إلى تجربة عمر موسى كوزير للخارجية من حيث الشكل والمضمون معا، غير أن التقييم الذى يقودنا إلى حقيقة كل الأوصاف التى خلعها البعض عليه والناتجة من «أفعل التفضيل» يكون مكتملا بالنظر إلى تجارب سابقيه، وبالتحديد منذ قيام ثورة 23 يوليو عام 1952.
كان الدكتور محمود فوزى هو أول من تولى وزارة الخارجية بعد ثورة 23 يوليو، ثم محمود رياض الذى استمر حتى بداية عهد السادات، وجاء بعده مراد غالب، ثم محمد حسن الزيات، وبعده إسماعيل فهمى الذى استقال رفضا لزيارة السادات إلى إسرائيل عام 1977، وأدت استقالة فهمى يوم 17 نوفمبر 1977 إلى وجود مشكلة وهى ضرورة أن يكون هناك وزير للخارجية يصحبه السادات فى زيارته إلى إسرائيل يوم 19 نوفمبر أى بعد استقالة فهمى بيومين، فتم تعيين محمد رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية، ودعاه مبارك نائب السادات إلى مكتبه فى القصر الجمهورى لإبلاغه باختياره وزيرا للخارجية، والمفارقة أن التليفزيون أذاع الخبر قبل أن يعرفه صاحبه من مبارك، وبعد نقاش قصير لم يستمر أكثر من ست دقائق مع السادات تقدم باستقالته للسادات، وذهب لمنزل إسماعيل فهمى فى الزمالك ليبلغه بخبر الاستقالة، ومع ضيق الوقت وخوفا من تكرارا نفس السيناريو مع أى مرشح جديد، قرر السادات تعيين الدكتور بطرس غالى مؤقتا ليسافر معه إلى إسرائيل، وبعد العودة من الزيارة تم تعيين محمد إبراهيم كامل الذى استقال هو الآخر أثناء مفاوضات كامب ديفيد، وقبل توقيع الاتفاقية بين كارتر وبيجين والسادات فى 17 سبتمبر 1978، وتولى بعده بطرس غالى، فالدكتور مصطفى خليل، ثم كمال حسن على الذى استمر من نهاية السادات وحتى بداية عهد مبارك، ثم عصمت عبد المجيد، فعمر موسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة