كم أتمنى أن يتحول مجلس النواب الذى انتخبه الشعب المصرى إلى مجلس حقيقى يراعى حقوق الناس، ويرسم مستقبلهم بالتشريعات التى تكفل حماية الأبدان والأرواح والعقول، فليست وظيفة «سيادة النائب» أن يجلس فى القاعة فرحا بترنح الكاميرات حوله يمينا ويسارا، وليست أيضا أن يستخلص قرارا بالعلاج على نفقة الدولة أو يساعد أبا فى نقل ابنه من مدرسة لأخرى، فالمجلس بالأساس هو «مجلس تشريعى» وظيفته الأولى هى إصدار التشريعات، وليس إطلاق الشعارات أو محاربة ما تقطع من بنطلونات، ولهذا فإنى أدعو «المجلس الموقر» إلى إصدار تشريع جديد يجرم الترويج للسحر والشعوذة، ويحارب هذه الآفة التى يستدعيها بعض المغيبين- بكسر الياء- أو المغيبين- بفتحها- من أجل إشغال الناس أو إشعال الفتن أو تبرير الهزائم أو إلقاء التهم على الغيب، تماما كما يهرب الأطفال من كل فعل قبيح يرتكبونه بإلقاء المسؤولية على الشيطان، حينما تسأل ابنك مثلا من مزق هذا الكتاب، فيقول لك: «والله ما أنا ده الشيطان».
لا تقل أهمية الحرب على الشعوذة ومروجيها عن أهمية الحرب على الإرهاب ومروجيه، فالشعوذة والرجعية المؤسسة للإرهاب من سمات المجتمعات البائدة، فقد كان السحر والشعوذة من أهم مرتكزات أوروبا المتخلفة قبل أن تصبح أوروبا القائدة، ولذلك إن كنا نريد أن نتقدم حقا فيجب قطع كل علاقة تربطنا بالتخلف وأيامه وسماته، وقطع ألسنة كل من يجذبنا إلى قاع الفكر البشرى حتى نسقط فى قاع بئر التخلف، وللأسف كما قلت سابقا، فإن البعض يتخيل أن فكرة الحرب على الشعوذة رفاهية لا ضرورة لها، لكن الوقائع تثبت عكس هذا، فالشعوذة مثلها مثل المخدرات والإرهاب والفساد تماما، الإرهاب تدمير للعقول، والشعوذة استعمار للعقول، والمخدرات تغييب العقول، والشعوذة تفخيخ للعقول، الفساد هلاك للموارد، والشعوذة هلاك لمن يصنعون الموارد، وإذا حاولنا أن نحصى النتائج الكارثية لانتشار ثقافة الشعوذة بين الناس فلن نستطيع، لأن آثارها التدميرية تتعدى مسألة الآثار المباشرة، وتفعل ترسباتها فى العقول أضعاف ما يمكن أن يتخيله أحد، فتدمر العلاقات الاجتماعية، وتدمر البناء المنطقى للعقل، كما تدمر الأخلاق والقيم، ولهذا فإننى أدعو «المجلس الموقر» لإصدار تشريع يجرم الترويج لهذه الآفة فى أى من وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية، كما أدعو لعقاب كل من يجاهر باستخدام السحر أو الشعوذة أو كل من يتهم أحدا باستخدامها.