أيتها الروح الحائرة بعيداً فى الكون، إنى مشتاق وتمنيت، أن أملأ عيناى بنور العشق.. آه من لوعة مشتاق حين يفارق معشوقه دون وداع، دون عناق ودموع.. آه من همسات مستسلمة حتى لو كانت قدرا محتوما.. أبحث فى أعماقى عنك، عن صوتك وعيونك وجنونى ورجفة قلبى ولوعة روحى.. آه لو علمت ملهمة الروح بعضا من وجع العشق، لاتخذت أى قرار.. إلا الهجر.
لقيا الأرواح تخفف ألم الشوق.. تتعانق، تتجاذب، تتعاتب، تتهامس، تتحاور، بلسان الصمت.. شىء أفضل من لا شىء.. لكن من قال عن الأشواق السابحة على السحب البيضاء، يمكن أن تجذب قلب مشتاق لعيون يطلع منها الفجر.. تتوضأ فيها همسات الصمت، فتصلى شكرا لمن أسكن فيها برد الصبر.. الصمت الساجد فى نظرات العاشق للمعشوق، لا يشبهه شىء آخر، مهما هدأ الكون وسكن الليل.. شىء لا يشبهه شىء.. لون خيوط النور، تنفض عن كاهلها برفق سطو ظلام الليل.. أشياء أخرى لا يفهمها إلا من ذاق العشق، وذاب ذليلا فى نار اللوعة والشوق.
أيتها الروح الهائمة بعيدًا فى الكون، اكتبى عنى أنى أبحث عنى، فلا أجد نفسى إلا فيكى.. يا أحلى شىء فى الدنيا، ولم تشأ الدنيا أن تمنحى بعض الوقت.. قد تأتى أحلام كنا نتلهفها بعد رحيل قطار العمر، فنكتب فوق محطات الشوق، كلمات وداع ونداء ورجاء، قد يقرأها من رحلت أحلامه على متن قطار آخر.. تركته يفتش فى أكوام الذكرى، عن أشياء تلهمه هدوء النفس.
فتش فى أعماقك عنك.. انزع أغلال الظلمة عن روحك ليخرج بعض النور.. اسأل نفسك: من أنت.. من جاء بجسدك.. من ترك روحك حائرة تبحث عنك.. من قال عن الأصوات الهائمة بعيدا فى الكون، يمكن أن تملأ روحا مشتاقة، وتطفئ ظمأ النهر المتعطش للشوق؟.. هل يروى الماء المتدفق عطش الروح؟.. هل تجرى الأنهار إذا جفت ينابيع كان تروى الروح؟
أيتها الروح المشتاقة.. أوكلتك شكواى.. أودعتك ألمى.. بحت بوجعى، بالقسوة واللوعة واللهفة والصبر.. أمنتك أشواقا أنهكها الشوق.. سلمتك عمرا يتعجل للمشى.. وأنادى أنادى.. قد تسمعنى وترد ندائى: احمينى من الخوف، من المجهول.. احمينى منك.. وأعيدينى إلى.