منذ 2013 وأتابع عن قرب المشاركة المصرية فى فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، ومنذ اللحظة الأولى لفت أنتباهى هذا الحضور القوى والطاغى للجالية المصرية ليس فقط فى نيويورك أو نيوجيرسى القريبة منها، ولكن من ولايات أخرى بعضها يبعد عن نيويورك بأكثر من 3 ساعات طيران، لكنهم قرروا ترك أعمالهم وأشغالهم والتوجه إلى نيويورك لإعلان دعم ومساندة الدولة المصرية فى حربها ضد الإرهاب، وأيضا فى سعيها للانطلاق إلى المستقبل الذى رسم المصريون خيوطه فى ثورة 30 يونيو.
فى سبتمبر 2014 سجلت الجمعية العامة ونيويورك أول حضور للرئيس عبد الفتاح السيسى فى هذا التجمع الدولى الكبير، وفى المقابل سجلت الجالية المصرية بالولايات المتحدة حضوراً بارزاً، منذ وصول طائرة الرئيس وحتى المغادرة، فكانت الوقفات الداعمة ليل نهار أمام مقر أقامته، وأيضاً أمام مبنى الأمم المتحدة، أثناء ألقاء الرئيس لكلمة مصر، وكانت لوقفة المصريين أثراً كبيراً فى نفوس الوفد المصرى بأكمله، وهو ما عبر عنه الرئيس السيسى فى كلمته حينما خرج عن النص وهو على منصة الأمم المتحدة ليوجه التحية للمصريين الذين تدفقوا بالآلاف على مبنى الأمم المتحدة لإعلان دعمهم لمصر ولرئيسها وللتأكيد للعالم كله أن مصر الجديدة قادمة.
من هذا التاريخ يمكن القول إن ميلاداً جديداً للجالية المصرية فى الولايات المتحدة التى لا تزال تبهر الجميع بأدائها الداعم والمساند لمصر الحديثة، ففى خلال المشاركة الأخيرة للرئيس فى الأمم المتحدة تحدت الجالية الأمطار التى هطلت بقوة، وأكملت وقفتها التى جاءت متزامنة مع كلمة الرئيس السيسى، ولم تنتهى الوقفة إلا بعد انتهاء الكلمة، بل كانت الجالية سباقة فى ابتداع فنون الاستقبال الذى يليق برئيس مصر، فلا أنسى أن مدينة نيويورك استيقظت صباح الأحد 17 سبتمبر الماضى على هتافات «تحيا مصر»، و«بنحبك يا سيسى»، و«ندعم مصر»، التى رددها المصريون فى مسيرة بالسيارات فى الرابعة صباحاً بشوارع نيويورك باللغتين العربية والإنجليزية، رافعين علم مصر وصور الرئيس، فرغم أن كثيرون توقعوا ألا يخرج أعداد كبيرة من الجالية لاستقبال الرئيس لأن موعد وصوله فى وقت مبكر «الخامسة صباحا»، لكن كان درس الجالية للجميع قوياً، بعدما خرجوا للشوارع فى الرابعة صباحاً لاستقبال الرئيس.
أستطيع القول إن ما تفعله الجالية المصرية بالولايات المتحدة يستحق فعلا تقدير من الجميع، خاصة أنهم حينما يفعلون ذلك يكون من تلقاء أنفسهم، بل إن بعضهم يتحمل كما قلت مشقة السفر من ولايات بعيدة، وآخرين يتغيبون عن أعمالهم ليكونوا بجوار رئيس مصر، وأكثر شىء لفت أنتباهى فى أمر الجالية المصرية بالولايات المتحدة أنها لا يوجد كيان مؤسسى يجمعها، وربما لو وجد هذا الكيان لأصبح تأثيرها أقوى بكثير، وغير مرتبط بحدث معين مثل زيارة الرئيس أو المشاركة فى المناسبات الوطنية.
لذلك كلى أمل أن يكون لوزارة الهجرة والمصريين فى الخارج بالتنسيق مع السفارة المصرية بواشنطن دور فى إنشاء هيكل تنظيمى للجالية المصرية بالولايات المتحدة، خاصة أن تعدادها قد يصل إلى قرابة المليون، وهو رقم كبير للغاية، ويمكن الاستفادة من خبرات أعضاء الجالية كلاً فى مجالهم، لأنى لا أتصور أن تظل جالية بهذا العدد والأهمية والنشاط أيضاً، بدون شكل تنظيمى، نعم هناك مجهود كبير يقوم به بعض أعضاء الجالية من شخصيات مثل نبيل مجلع رئيس جمعية مصر للمصريين بنيوجيرسى، وناصر صابر رئيس المجموعة المصرية الأمريكية، والمهندس طارق سليمان، مدير النادى الثقافى المصرى بنيويورك، ومايكل مورجان وهابى هلال ونشأت زنفل وأمجد مكى وغيرهم الكثير والكثير، لكنه يظل مجهود فردى بحاجة إلى إطار تنظيمى، وأعتقد أن قنصلية مصر العامة بنيويورك على سبيل المثال بما تملكه من شخصيات لها صلات طيبة مع أعضاء الجالية قادرة على إيجاد هذا الكيان والعمل على أن يكون أداة وصل بين كل أعضاء الجالية، خاصة أننى التقيت الكثير من المصريين المقيمين فى نيويورك ونيوجيرسى ممن لديهم الرغبة الصادقة والجادة فى أن يكون لهم دور لخدمة الوطن، لكنهم يبحثون عن أداة للتواصل.
فكرة إنشاء ناد للجالية سيكون لها مردود قوى، وستكون نواة لتشكيل لوبى مصرى فى الولايات المتحدة، يكون قادراً على التأثير والوجود أيضاً، خاصة فى وسائل الإعلام والمراكز البحثية الأمريكية التى لانزال نفتقد آلية التواصل النشط معها، وأقصد هنا التواصل الأهلى أو المجتمعى وليس الرسمى الممثل فى السفارة أو القنصلية، فإنشاء نادٍ أو كيان للجالية سيتيح له التحرك بسهولة ويسر بين مراكز اتخاذ القرار الأمريكية كما يفعل دائما اللوبى اليهودى الذى يعد الأقوى تأثيراً على اتخاذ القرار فى البيت الأبيض والكونجرس، وهو الأمر الذى نفتقده كثيراً.
أعتقد أن وزارة الهجرة عليها دور مهم فى العمل على إنشاء هذا الكيان، لأنه سيكون مفيد للدولة بشكل كبير، كما سيكون له دور فى خدمة أبناء الجالية وربطهم بالوطن، بدلاً من ترك الكثير منهم عرضة لأفكار متطرفة وضالة، على أن يكون لهذا الكيان مجلس إدارة منتخب، ويجرى انتخابه كل فترة زمنية، قد تكون عامان أو ثلاثة، ويكون له متحدث رسمى، ويتشكل بداخله العديد من اللجان التى تكون مهمتها التواصل مع كل أبناء الجالية وحل مشاكلهم وربطهم بمصر، ولا مانع بأن يكون لهذا الكيان فروع فى عدد من الولايات التى تشهد حضوراً كبيراً للجالية المصرية مثل لوس أنجلوس فى الغرب الأمريكى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة