ما تحقق حتى الآن فى غزة، يمثل خطوة هائلة، وأملا فى استعادة الفلسطينيين لوحدتهم، بعد سنوات كان الصراع فيها خارج كل سياقات العقل، وأطاح بالكثير من الجهود التى تشكلت على مدى عقود. انعقاد حكومة الوفاق الفلسطينية فى غزة، انتصار للفسطينيين على أنفسهم، وعلى أطراف عديدة غذت ورعت الصراع، وربما يكون الأهم هو أن يدرك الفلسطينيون أن الصراع ولاستقطاب بلا عائد، وهو ما تصر مصر على إعلانه والتمسك به.
لم تتوقف جهود مصر لعقد المصالحة الفلسطينية طوال 11 عاما، وبدت نوعا من البحث عن المستحيل، لكن مصر لم تيأس طوال هذا الوقت، فقد كانت هناك طوال الوقت أطراف لديها مصالح من استمرار الفرقة الفلسطينية، بينما أهم نقطة فى مصالح الفلسطينيين وحدة الصف.
وكانت مصر تعى هذا وتدفع نحو إعادة توحيد الفلسطينيين، وكانت هذه الوحدة هى الخط الأحمر الذى حافظ عليه الرئيس الفسطينى الراحل ياسر عرفات الذى كان دائما ما يؤكد أن مصر «هى الشريك الشريف لأنها الطرف الوحيد الذى ليس له مصالح مع أى طرف فلم يكن لها ميليشيات». القضية الفسطينية كانت دائما عرضة لتدخلات، وكان عرفات يقول: «إنه يواجه عاصفة من الضغوط الداخلية الفلسطينية، والخارجية الأمريكية والإسرائيلية، ويتحرك وسط حقل من الألغام، وعليه أن يرضى الفلسطينيين بفصائلهم وخلافاتهم وأذواق وأحوال كل دولة ونظام عربى».
من هنا يمكن تقدير الجهد الذى بذلته مصر وجهاز المخابرات العامة منذ اللحظة الأولى التى وقعت فيها الصراعات، وانقسمت الدولة غير المكتملة الى شطرين، متصارعين، وهو ما بدا نوعا من الجنون لأنه يمنح العدو كل ما يتمناه، وما يريده. مصر نبهت لهذا، وأدارت مفاوضات طويلة النفس، وبصبر شديد، عبورا على عشرات العراقيل، وعلى تقاطعات اقليمية ودولية، ومصالح لجهات متعددة، كانت تصور لأطراف هنا أو هناك إنه من الممكن أن يعيش نصف الجسد الفسطينى.
ولم يكن ممكنا أن يتم الحديث عن رفع الحصار الإسرائيلى عن غزة وفتح المعابر، وإنهاء العقوبات الجماعية والاحتلال الإسرائيلى، بينما الفلسطينيون متفرقين ومتصارعين، واحتاجت حكومة الوفاق 3 سنوات لتجتمع فى غزة وتمارس مهامها واختصاصاتها، وهو أمر كان من الطبيعى أن يكون بديلا عن الصراع الذى اندلع وغذته أطراف إقليمية، ومن المفارقات أن تعود القضية إلى ما قبل الصراع، الحديث عن إعادة إعمار الكهرباء والمياه والبنية التحتية والتعليم، بناء المنازل المهدمة، وضمان التزام إسرائيل.
إنهاء الانقسام خطوة تاريخية، وجهد سنوات لمصر، وفى حال اكتمال الصورة نحن بالفعل أمام واقع مختلف، يمكن البناء عليه، بعيدا عن الصراعات المزايدات.
الأمر ليس سهلا فالحفاظ على الوحدة الفلسطينية مرهونة بإرادة الفلسطينيين ومن صالح الشعب حتى يمكن أن تكون هناك اتجاهات واحد، الاستقطاب يضمن مصالح بعض الأطراف، لكنه لا يضمن صالح الفلسطينيين.
لقد تحقق ما بدا أنه مستحيل، ويمكن للفلسطينيين فى حال نجاح الوفاق، أن يبدأوا مواجهة إسرائيل الاحتلال والاستيطان، وقبلها مواجهة أنفسهم.