قال الإمام الأكبر إنه، "من المعلوم ومن المتحقق فى الواقع أن الدستور أسند إلى الأزهر مهمة القول الفصل فى كل ما يتعلق بالإسلام وشريعة الإسلام، وأن الزواج وما يتعلق به من مسائل مثل الخطبة أو العقد أو الدخول أو الطلاق وما يترتب عليها، للشرع فيها تحديدات واضحة جدا، والتدخل فيها ليس لتقييد الحريات كما يُظن، وإنما لحماية الأسرة ورعايتها، لأن قيمة المجتمع تنبنى على قيمة الأسرة والعكس صحيح، إذ لا يخرج تشريع واحد فيما يتعلق بالأحوال الشخصية إلا بعد أخذ رأى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، وإن اقتضى الأمر رأى هيئة كبار العلماء.
وأكد فى حديثه الأسبوعى الذى يذاع على الفضائية المصرية، أن القول إن الأزهر يترك للمجلس القومى للمرأة سن القوانين، خاصة قانون المطلقة الحاضنة، كلام مرسل وعار عن الصحة تمامًا، مشيرًا إلى أنه فى عامى 2011 و2012 حدثت مظاهرات عند أبواب مشيخة الأزهر كانت تهتف بوجوب إعادة النظر فى مسألة الحضانة، وكثير من الآباء كانوا يعترضون على سن الحضانة وقانون الرؤية، ظنا منهم أن الوقت مناسب آنذاك لتغيير الأحكام الشرعية، وهذا لم يحدث ولا يمكن أن يحدث ولن يحدث بإذن الله، لأن الأزهر الشريف فيما يبلغه من شريعة الإسلام لا يخضع لأى مؤسسة فى مصر أو فى العالم، أما أن تخرج بعض البلاد على هذا الحكم أو ذاك من الأحكام الشرعية فمن واجب الأزهر إبداء حكم الشرع فى مثل هذه القضايا، ولسنا جهة إلزام وليس فى أيدينا إلا أمانة التبليغ فقطـ.
وأوضح الإمام الأكبر أن ما قيل مؤخرًا من أن المرأة يجب أن تأخذ مثل الرجل فى الميراث، تصدى له الأزهر ولكل الآراء المنفلتة، وبيَّن أن هذا تخريب وهدم للدين، ومن أسف كانت هناك أصوات لبعض المثقفين والمثقفات تقول بأن هذا شأن داخلى لكل بلد تسن فيه مثل تلك القوانين، وليس للأزهر دخل فى مثل هذه الأمور، وهنا يجب أن أؤكد أنه ليس هناك إسلام لكل دولة على حدة، وإنما هناك إسلام واحد ينضوى تحته جميع المسلمين، وليس من حق أى أحد أن يعبث بدين مليار ونصف المليار مسلم، فهو دين عام للمسلمين، وواجبنا أن نتصدى لأى اعتداء على هذا الدين، أيا كان مصدر هذا الاعتداء، لكننا لا نلزم أى بلد بما نراه، فهم أحرار فيما يرتضوه من قرارات. لكن ليسوا أحرارا أن يعبثوا بكلمة أو حرف من كتاب الله أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذه هى مهمتنا فى المقام الأول.
وتابع: المجلس القومى للمرأة دائمًا ما يقول لنا: أعطونا حقوقنا التى أعطتها الشريعة الإسلامية لنا، ولا نحتاج أكثر من ذلك، ومعهم حق، لأن المرأة ظلمت فى أمور كثيرة باسم التطبيق الخاطئ للشريعة الإسلامية، وأكثر مجالين تتحقق فيهما هذه الفوضى هو مجال الطلاق ومجال تعدد الزوجات، مؤكدًا أنه حين نتحدث فى الشريعة لا نأخذ فى اعتبارنا توجيهات المجلس القومى للمرأة أو أى مجلس آخر، وإنما نصوص الشرع ومقاصده هى الموجه الأول والأخير فى اجتهادنا وتجديدنا.
وبين الإمام الأكبر أن الإسلام لا يجيز زواج المسلمة من غير المسلم، "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ"، وأجبنا عن ذلك فى البرلمان الألمانى واقتنع الناس، لكن هناك عبث منظم يُستغل الآن داخل البلاد الإسلامية، ينادى بجعل الأسرة فى البلاد الإسلامية مثل الأسرة الغربية، ويعمل ليل نهار على تحقيق هذا الهدف، وكأننا حين نطلق العلاقات غير الشرعية سنصبح فى قلب حضارة القرن الـ 21 ونكون مثل ألمانيا وفرنسا، مشيرًا إلى أن الأموال المتدفقة من أمريكا ومن الغرب على القائمين على مثل هذه الدعوات، لا تتدفق لحاجة المرضى مثلا أو للتعليم أو للاقتصاد، وإنما لتمكين الناس من بعض الحقوق المدعاة التى فى حقيقة الأمر شذوذ فى التفكير، والصورة الأخيرة التى رأيناها ونبهنا عليها من قبل وقلنا إن القادم أسوأ، هى حقوق الشواذ والتى سموها تخفيفا لوقع مصطلحها "المثلية"، فمن كان يتصور بأن يكون للشواذ احتفال بهذه الصورة فى قلب مصر بلد الأزهر، وهنا أحيى الأستاذ مكرم محمد أحمد الذى قال: إن هذا مرض، وليس حق، فهذه أمراض ومجتمعاتنا سترفضها.
وشدد على أن تحديد انتهاء حق الحضانة ببلوغ سن الخامسة عشرة لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وقد سبق أن بحث مجمع البحوث ودار الإفتاء المصرية هذا الموضوع بحثًا علميًّا فقهيًّا مستفيضًا، وانتهى فيه إلى أن ظواهر الأدلة من السنة المشرفة والآثار الصحيحة ترجح العمل بهذا السن لمصلحة الصغير بعد دراسة مستجدات العصر وواقع الأحوال فى مصر على أن يخير الصغير بعد ذلك، وهذا دور الأزهر فى هذا الموضوع منذ عام 1920م، حيث لم يكن حينئذ مجلس قومى للمرأة حتى يقال: إن الأزهر يترك له سن القوانين، خاصة قانون المطلقة الحاضنة، ويرسل كسؤال، وكأن السائل متأكد مما يقول.
ونوه الإمام الأكبر، إلى أن الطلاق حين يتم بين الطرفين: الزوج والزوجة، غالبا ما يؤدى إلى ضياع الأولاد، وكثيرا ما تعرض علينا مثل هذه المشكلات، وهنا ننتهز الفرصة وننادى السادة المسئولين بمحكمة الأحوال الشخصية بسرعة الفصل فى القضايا التى تُنظر بها، لأن هذه المحكمة ما أنشئت إلا لتسريع الحكم والفصل فى قضايا الأسرة، مشيرًا إلى أن الطلاق الأصل فيه الحظر، ولا يحل إلا لأسباب معينة أو للضرورة، لأن فى الطلاق إلحاق أذى بالأبناء والبنات والزوجة والزوج أيضا، والشرع يقوم بحماية الطفل، ويعطيه للأم، لأن الشرع يعلم أنها المكان الطبيعى والأرض الطيبة التى يمكن أن ينشأ فيها الطفل دون أن تهتز شخصيته أو يصاب باضطرابات عصبية أو نفسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة