بعض الأوقات الصعبة فى المصالحة الفلسطينية مرت، وبعضها لم يأت بعد. ومن الواضح أن أطرافا كثيرة فوجئت بما بدا أنه مستحيل طوال أكثر من عشر سنوات، حل اللجنة الإدارية فى غزة، واستقبال حكومة الوفاق.
رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية، قال إن صفحة الانقسام الفلسطينى طويت، بينما هناك أطراف مختلفة تشكك فى احتمالات نجاح المصالحة، وتوقعات بأن تلحق هذه الجولة بسابقاتها، لكن الاتجاه من كلا الطرفين حماس والسلطة، يشير إلى أن هناك استعدادا أكبر لنسيان صفحة الماضى، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك أطرافا فى المعادلة، هناك الولايات المتحدة وإسرائيل.
مصر تمثل معسكرا عربيا أوسع يضمن بشكل رئيسى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، والبحرين، والرباعى العربى هو الأكثر تأثيرا فيما يتعلق بمسيرة الأوضاع فى المنطقة، وتمتلك أوراقا اقتصادية وسياسية أكثر تأثيرا.
كان إعلان المصالحة مفاجأة تحسب للجانب المصرى وجهاز المخابرات العامة، الذى نجح فى الاحتفاظ بتفاصيل المفاوضات بعيدا عن الأعين، حتى يمكن إتقاء سوء الفهم الذى يدمر أى تقارب، ولم يكن باستطاعة طرف آخر التصدى لقضية معقدة بهذا الشكل تبدو غير قابلة للحل، وفيها تداخلات وأطراف أكثر كثيرا من طرفيها الظاهرين.
قليلون هم من كانوا يعرفون حجم الجهد الذى بذلته مصر طوال الوقت للتوصل إلى اتفاق يتضمن كل التفاصيل فيما يتعلق بالملفات المعقدة للخلاف، والوصول إلى استقرار يصعب التراجع عنه.
وإذا كان الشيطان يكمن فى التفاصيل فإن اتفاق المصالحة يتضمن الكثير من التفاصيل الدقيقة، والملفات السياسية والاقتصادية والشعبية، وعلى رأسها الملفات الأمنية، وهى المرحلة الأصعب ومدى استعداد كل طرف للتنازل واللقاء فى منطقة تفاهم، لأنها تتعلق بالنفوذ والسلطات على الأرض.
المصالحة ترتبط بالإرادة الفلسطينية، ومدى إدراك قيادات حماس وفتح بأن الوقت المناسب لإنهاء الخلافات ووضع مصالح الشعب الفسطينى أمام أعينهم. والاعتراف بأن كل الأطراف خسرت من الصراع.
القضية الفلسطينية دائما كانت مجالا للتدخل ومحاولات التوجيه والاستقطاب وإن كانت التطورات الأخيرة، اخرجت دولا من التأثير على الأطراف حيث تنشغل سوريا وإيران وتركيا بتطورات الصراع فى العراق وسوريا، فيما خرجت العراق بعد الغزو، وليبيا بعد القذافى من المعادلة إلى حين.
بجانب أمريكا هناك أوروبا وروسيا، وتناقضات فى الموقف الإسرائيلى، ففى الوقت الذى لا يبدو نتنياهو رئيس الوزراء متحمسا، هناك أطراف إسرائيلية ترى المصالحة تصب لصالح إسرائيل، خاصة أن حماس فى مايو الماضى ألمحت إلى الموافقة على المفاوضات، وتهيئ المناخ لذلك، إثر انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسى للحركة خلفا لخالد مشعل، وانتخاب يحيى السنوار رئيسا للحركة فى القطاع فى فبراير. والسنوار الذى قضى سنوات فى السجون الإسرائيلية صرح بإصرار الحركة على إكمال المصالحة.
إسرائيل تتخذ من الصراع حجة لوقف وتجميد أى مفاوضات بحجة عدم وجود طرف تتحدث معه، وتستغل الصراع الفلسطينى الداخلى لمزيد من التوسع والاستيطان، وفى حين ترى «هآرتس» الإسرائيلية، أن المصالحة من شأنها تدمير مصالح إسرائيل وعدم السماح لها بالتقدم يرى محللون إسرائيليون على أن المصالحة بين فتح وحماس، وزيارة رئيس الحكومة الفلسطينية، رامى الحمد الله إلى قطاع غزة، من شأنها أن تصب، من نواحى معينة، فى مصلحة إسرائيل التى يمكن أن تستغل المصالحة من أجل مواصلة تجميد العملية السياسية.
مصر تتحرك وسط هذه الخيوط المعقدة، والهدف الأول هو مصالح الشعب الفلسطينى الذى يعانى معاناة مضاعفة، من الاحتلال والانقسام، والمحطة الأصعب هى المقبلة لاستكمال الحوار فى القاهرة، استعدادا لمحطة أكثر صعوبة مع إسرائيل.