لا يوجد «لو» فى عالم السياسة، ولا توجد أوقات مناسبة أو غير مناسبة.. الأوقات المناسبة هى التى تفرض نفسها.. ربما لهذا بدت مفاجأة أن يتم الإعلان عن المصالحة بين حماس وفتح بعد أكثر من 10 سنوات من الخلاف، والصدام الذى بدا وكأنه نهاية المطاف للقضية الفلسطينية، فقد كان استثناء على قاعدة حكمت الفلسطينيين طوال تاريخ مسيرتهم.أن يختلف الجميع من دون أن يتحاربوا.بالطبع كانت هناك خلافات واستقطابات تؤدى إلى الدم، لكنها لم تصل إلى الانقسام.
وكان أعمق تعبير عن مأساة التصارع ما كتبه الشاعر الكبير محمود درويش فى قصيدته «أنت منذ الآن غيرك».. ويقول فيها: (هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟/ أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، وقساةً مع مَنْ يحبّونَنا- تلك هى دُونيّة المُتعالى، وغطرسة الوضيع/ من يدخل الجنة أولًا؟ مَنْ مات برصاص العدو، أم مَنْ مات برصاص الأخ؟/ بعض الفقهاء يقول: رُبَّ عَدُوٍّ لك ولدته أمّك/ وسألنى: هل أنا + أنا = اثنين؟/ قلت: أنت وأنت أقلُّ من واحد).
كانت السنوات العشر الماضية هى الأسوأ فى تاريخ القضية الفلسطينية، بعد كسر المحظور الأساسى منذ خروج منظمة التحرير الفلسطينية. أن يبقى الكيان واحدًا، تختلف الآراء والاتجاهات، لكن يبقى الحبل السرى للفلسطينيين قائمًا.. فقد ظهر الكثير من الانشقاقات والفروع، التى خرجت عن المنظمة، لكن ظل الكيان موحدًا ومع الوقت تقلصت الأشكال الأخرى والفصائل.. وكان الزعيم الراحل ياسر عرفات حريصا على استمرار خيوط وخطوط الاتصال مع الجميع.. ربما لهذا بدأت التصدعات بعد رحيله، وكانت هنا تدخلات واستقطابات إقليمية ودولية أغرت بعض الفصائل بالانعزال بحثًا عن دور.
كانت أحداث 2006 بمثابة زلزال أثبتت الأيام أنه يمثل إضعافًا للقضية. لم يربح أى طرف من الأطراف، وخسر الجميع.. ولعل هذا الاعتراف المتأخر عشر سنوات، هو الضامن الأكبر لإصرار حماس وفتح على المصالحة مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك حقيقة فى العلاقات العربية بالفلسطينيين، وهى أن مصر كانت الدولة العربية الوحيدة، التى لم تكن لها فصائل أو محاولات استقطاب وهى واقع كان دائما مايؤكد الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، الذى أكد هذا الأمر فى حديث طويل للكاتب البريطانى «آلان هارت»، الذى أصدر «ياسر عرفات إرهابى أم صانع سلام»، فقد أكد عرفات هذه المسألة مرات، ففى الوقت الذى كانت بعض الأنظمة العربية تحاول استخدام القضية الفلسطينية كورقة براجماتية، ظلت القاهرة طوال عقود تتمسك بمبادئ واضحة، ولعل هذه المكانة هى التى منحت مصر موقفها يمكنها العمل مع كافة الفصائل الفلسطينية.. حتى فى أكثر الأوقات توترا وتصعيدا.
ولعل هذه المواقف الثابتة لمصر، هى التى تثير اندهاشًا لدى بعض من يتابعون القضية، حيث يعجزون عن إدراك أهمية الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.. وهى أمور تثبت تجارب السياسة دائمًا صحتها.. بينما تبدو المقاطعة وإغلاق الأبواب أسهل لكنها أكثر خطرًا على نفوذ الدول الفاعلة ومنها مصر، التى تحتفظ بدور فاعل مع كل أطراف المنطقة.
وهناك فرق دائما بين الشعارات المعلنة أو الخطاب المعلن، وبين الموقف الفعلى، أو البقاء عند مواقف فى الماضى وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هناك فرصة تأتى بعد سنوات شعر فيها الجميع بالخسارة، وتراجعت القضية كثيرًا.. وكان هناك طرف واحد لم يشعر باليأس، هو مصر، التى ترى أهمية العودة للصف الفلسطينى الواحد،. وخطورة الانقسام، ونظن أن كل الفلسطينيين يدركون العودة للقاعدة، الاختلاف مع الوحدة.