أجمع خبراء ومتخصصون فى الشؤون السودانية أن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ نحو عشرين عاما سيعزز من تعافى الاقتصاد السودانى وسيعمل على إعادة دمج السودان فى النظام المالى العالمى، مع توقعات بتنامى العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن من جهة والخرطوم وتل أبيب من جهة أخرى.
تداعيات إيجابية على الاقتصاد
ومن جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسى السودانى، الهندى عز الدين، رئيس تحرير صحيفة المجهر أن قرار رفع العقوبات الأمريكية التى كانت مفروضة على السودان منذ العام 1997 له تداعيات شديدة الإيجابية على المستويين الخارجى والداخلى، معتقدا أنه "إنجاز يحسب لوزير الخارجية السودانى البروفيسور إبراهيم الغندور وجهاز المخابرات السودانى بعد 20 عاما من الحظر".
الهندى عز الدين
وأشار عز الدين فى تصريحات لـ"اليوم السابع" من مقر إقامته بالعاصمة السودانية الخرطوم، وهو غالبا ما يبنى تحليلاته على معلومات يستمدها من جهات رسمية إلى أن العقوبات أدت إلى ضمور الاقتصاد السودانى؛ لأن البنوك الدولية كانت على مدى العشرين عاما الماضية تقاطع البنوك السودانية ولم يكن هنالك أدنى تواصل بين القطاع المصرفى السودانى ونظيره الدولى حتى البنوك الأوروبية التى لم تكن تفرض عقوبات على السودان كانت تخشى من إبرام أية تعاملات مالية مع الخرطوم حتى لا تتعرض لعقوبات من البنك المركزى الأمريكى تماما كما حدث فى حالة أحد البنوك الفرنسية الذى تكبد ما يزيد عن 10 مليارات دولار نظير تعامله مع البنوك السودانية".
وفى نهاية مايو من العام 2014 نشرت وسائل إعلام أمريكية أن السلطات الأمريكية حققت مع بنك بى إن بى باريبا الفرنسى للاشتباه فى انتهاكه العقوبات الأمريكية على عدد من الدول من بينها إيران والسودان.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن وزارة العدل فى واشنطن قد تجبر البنك على دفع غرامة تصل إلى عشرة مليارات دولار.
غير أن تقارير أخرى ذكرت وقتها أن البنك تفاوض مع وزارة العدل الأمريكية لتسوية القضية وإنهاء التحقيق الجنائى مع البنك، بشأن تورطه فى معاملات مالية مع دول خاضعة للعقوبات الأمريكية، مثل إيران والسودان وكوبا.
معاملات مع بنوك العالم فورا
وتوقع عز الدين أن ترفع البنوك الأوروبية التى جمدت الأرصدة السودانية الحظر بالتزامن مع البدء فى تنفيذ قرار رفع العقوبات المالية، مضيفا قوله: "من المتوقع أن تنفتح البنوك السودانية على تعاملات مالية موسعة مع البنوك الأمريكية".
كما توقع أن يحدث ارتفاع فى أسعار النفط فى السوق المحلية السودانية وبالتالى ارتفاع فى أسعار النفط الخام على المستوى الدولى بعد فرار إلغاء العقوبات إذ كانت أمريكا تجمد التعامل التجارى النفطى السودانى فى النظام العالمى وبالتالى كانت تبيعه بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية.
وردا على سؤال "اليوم السابع" حول الدور الذى لعبته أطراف إقليمية لحث واشنطن على اتخاذ القرار رأى عز الدين أن الحكومات الخليجية وخاصة الرياض وأبو ظبى كان لهما دور لا يمكن تجاهله فى تشجيع واشنطن على إصدار هذا القرار.
المبعوث الأمريكي دونالد بوث
لكنه بالرغم من ذلك رأى أن الخارجية والمخابرات السودانيتين هما من لعبتا الدور الأساسى فى القرار، مدللا على وجهة نظره من خلال حديث المبعوث الأمريكى دونالد بوث، الذى أكد أن العلاقات السودانية ـ الأمريكية دخلت مرحلة بناء ثقة فى عهد البروفيسور الغندور وزير الخارجية، خاصة أن المسارات المتعلقة بالعقوبات كانت مسارات داخلية وليست خارجية، فضلا عن أن السودان لما يعد له ارتباط بالجيش الأوغندى بعد انفصال جنوب السودان.
علاقات مباشرة مع إسرائيل
ورأت الدكتورة أمانى الطويل، مدير البرنامج الإفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية، أن رفع العقوبات الأمريكية عن السودان سيستتبع إقامة علاقات مباشرة على المدى القريب بين الخرطوم وتل أبيب.
الدكتورة أمانى الطويل
وردا على هذا الرأى استبعد عز الدين فى حديثه مع "اليوم السابع" أن يقدم السودان على إقامة مباشرة مع تل أبيب لعدد من الاعتبارات منها الأبعاد الثقافية الاستراتيجية للداخل السودانى المستمسك بعروبته والذى يرفض أدنى علاقة مع تل أبيب، بالإضافة إلى البُعد العقدى للنظام الحاكم الآن فى الخرطوم.
غير أنه أوضح أن إسرائيل كانت لها علاقة غير مباشرة باستصدار القرار، إذ عملت السياسات السودانية الأخيرة على الحد من التخوفات الإسرائيلية بخصوص علاقات الخرطوم بطهران وجماعات أخرى تدور فى فلكها، وهو ما شجع تل أبيب على حث واشنطن للمضى قدما فى رفع العقوبات عن الخرطوم بعد أن ابتعدت عن المحور الإيرانى فى الإقليم.
من جهتها لفتت الطويل فى حديثها مع "اليوم السابع" مساء الجمعة تعليقا على الخبر إلى أن السودان كان عضوا مراقبا فى مناورات النجم الساطع التى جرت مؤخرا بين القاهرة وواشنطن، مدللة بذلك على أن العلاقات السودانية ـ الأمريكية فى طور التنامى؛ "نظرا للتهديدات فى منطقة الساحل والصحراء".
وأضافت: "هذا القرار سيكون له انعكاس مباشر على الوضع السودانى على المستوى الإقليمى وأيضا على الصعيد الاقتصادى ما سيؤدى إلى إعادة إدماج السودان فى النظام المالى العالمى وهو ما سيساهم فى رفع كفاءة الاقتصاد لديه وسيساهم فى قدرته على الوصول إلى تمويلات والحصول على قروض للحد من الأزمات الاقتصادية".
ثمن رفع العقوبات
واتفق مع الطويل، الدكتور أيمن شبانة، نائب رئيس مركز دراسات حوض النيل بجامعة القاهرة، موضحا أن النظام السودانى سيشهد انفراجة اقتصادية بعد أن كان يعانى من مشكلات الحصول على المعونات والتسليح والتمويل والقروض.
الدكتور أيمن شبانة
ونوه شبانة فى تصريحات لـ"اليوم السابع" أن النظام السودانى كان فى حاجة ماسة إلى مثل هذا القرار الآن وأكثر من أى وقت مضى، لاسيما أن الحركة المعارضة الداخلية شهدت نشاطا فى الفترات الأخيرة لدرجة وصلت بالبعض إلى المطالبة بإسقاط الحكومة".
لكن شبانة، الخبير فى الشؤون الإفريقية، استطرد موضحا أن "مسألة أن ترفع أمريكا العقوبات عن السودان بدون ثمن فهذا مستبعد"، متابعا أن "الثمن هو فتح السودان أمام الاستثمار الأمريكى فى مجالات الزراعة والنفط".
وتوقع أن تحاول الحكومة السودانية التفاهم مع المحكمة الجنائية الدولية لاستبعاد المذكرتين اللتين صدرتا لتوقييف الرئيس عمر البشير، خاصة أن هناك تقدما تم إحرازه فى ملفى الحريات وحقوق الإنسان بالسودان.
سبب القرار الأمريكى
واختتم شبانه حديثه مع "اليوم السابع" بالتأكيد على أن قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران وابتعاده عن محور حماس ـ طهران ـ حزب الله، واتجاهه لإقامة علاقات مع دول أخرى أقرب إلى اولايات المتحدة الأمريكية مثل الخليج وتركيا، كان أبرز أسباب اقتناع أمريكا بضرورة وقف العقوبات عن الخرطوم بعد 20 عاما من الحظر.
الرئيس عمر البشير
ومساء اليوم قال مسئول أمريكى رفيع المستوى إن الولايات المتحدة رفعت عقوبات اقتصادية عمرها 20 عاما على السودان، مرجعا ذلك إلى التحسن فى مجالى حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.
وفى استكمال لعملية بدأها الرئيس السابق باراك أوباما فى نهاية ولايته وعارضتها جماعات حقوقية رفع الرئيس دونالد ترامب حظرا تجاريا أمريكيا وإجراءات عقابية أخرى كانت سببا فى فصل السودان فعليا عن معظم النظام المالى العالمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة