فى أوروبا وأمريكا، يزينون ميادين عواصمهم، ومدنهم السياحية الجميلة بالمسلات الأثرية المصرية، بينما نحن فى مصر، نزين ميادين العاصمة، والمدن المهمة بتماثيل مسخ ولشخصيات أجنبية!!
شىء يدعو للألم ووجع القلوب، وأنت تشاهد المسلة الفرعونية العبقرية، تتوسط ميدان الكونكورد بالعاصمة الفرنسية، باريس، بينما يزين ميادين القاهرة «أهرامات» القمامة، وتماثيل مشوهة تصيب الناس بالتلوث البصرى بمجرد النظر إليها!!
إلى هذه الدرجة أصبنا بحالة من التراجع المعرفى والثقافى، وفقدنا القدرة على تقييم ما نمتلكه من نعم لا حصر لها، ومن ثم عدم القدرة على استثمار هذه النعم والاستفادة القصوى منها بما يعود على هذا الوطن من جنى الخير الوفير؟! وهل نحن وبفعل استمرار القبح فى الشوارع والمؤسسات، وتحديدا فى السينما والتليفزيون والإعلام بشكل عام، أصاب أعيننا بتلوث بصرى حاد، فلا نستطيع مشاهدة الجمال، والاستمتاع به؟!
وانطلاقا من هذا السؤال المؤلم، نطرح سؤلا جوهريا آخر، هل فكرت الحكومة والأجهزة المعنية المسؤولة عن تنفيذ العاصمة الإدارية الجديدة، وهو المشروع الحضارى الضخم، أن يضعوا فى حسبانهم، الاستعانة بمسلة أثرية فرعونية، لإقامتها فى أهم ميادينها؟ ولو زادوا من الشعر بيتا، أن يستعينوا بأهم تمثال من تماثيل ملوك الفراعنة العظام، تحتمس الثالث، أو أمنحتب الثالث، أو رمسيس الثانى، مع وضع التخطيط اللازم للميدان بما يحفظ قيمة المسلة الأثرية والتاريخية، والمحافظة عليها من الإهمال؟!
من خلال «ماكيت» العاصمة الإدارية، لم يخطر ببال مسؤول هندسى، أو إدارى واحد، أن يضع فى حساباته الاستعانة بمسّلة فرعونية ونصبها فى أهم ميادين العاصمة الإدارية، ونحن نعلن التحدى هنا، إن كانت الفكرة قد وصلت إلى عقولهم، ولذلك وحتى نخفف العناء عنهم، نقدم لهم الفكرة، والإسراع بتنفيذها وتدارك خطأ، أن ميادين أمريكا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، وحتى الدولة العدو «تركيا» تزين المسلات الآثرية المصرية، أهم وأبرز ميادينها!!
خد عندك على سبيل المثال، دولة بحجم فرنسا، استفادت من عطايا وهبات وهدايا حاكم مصر محمد على، من آثار وكنوز من مختلف العصور، ومن بينها مسلة رمسيس الثانى، التى كانت موجودة فى مدخل مدينة الأقصر، وتم نقلها إلى فرنسا، كهدية، عام 1833، فى رحلة نقل صعبة وشاقة، وطويلة، وتكلفت الرحلة حينها، ما يربو عن 500 ألف فرنك فرنسى، وهو رقم ضخم فى ذلك الوقت، وكانت المسلة تزن 250 طنا.
وبمجرد وصول المسلة ميناء مرسيليا، تم نقلها لميدان الكونكورد، وأشرف على وضعها المهندس الشهير «ليبا» عام 1836، لتظل شامخة فى هذا المكان منذ ذاك التاريخ وحتى الآن، أى ما يقرب من قرنين من الزمن، وتحديدا «181 عاما»، وما يدعو للفخر، والاعتزاز كمصريين، أن المسلة مدون عليها نصا باللغة المصرية القديمة، مكتوب بالخط الهيروغليفى، يقول: «رمسيس.. قاهر كل الشعوب الأجنبية.. السيد على كل من لبس تاجًا، المحارب الذى هزم الملايين من الخصوم والأعداء، الذى خضع العالم كله لسلطانه، معترفًا بقوته التى لا تُقهر».
وللأسف. إن مسّلة رمسيس الثانى ليست الوحيدة التى تتوسط ميدان العاصمة الفرنسية، ولكن هناك 3 مسلات أخرى، الأولى تتوسط ساحة «الونتابلو»، والثانية بميدان «فنسان» والثالثة فى «أرل».
وعلى نهر التايمز، ببريطانيا، توجد مسّلة أثرية مصرية، أهداها محمد على لحكومة الإنجليز، وكانت المسلة موجودة بميدان المحطة بالإسكندرية، وتم نقلها لبريطانيا عام 1877، وتكلفت رحلة نقلها معاناة ونفقات مالية كبيرة، لكن حرص هذه الدول على اقتناء التحف الأثرية والقطع الفنية العريقة، ليضعوها فى ميادين عواصمهم، تسر الناظرين وتجذب الزائرين، كان عندهم أهم ولا يوازيه الأموال المقنطرة.
أما إيطاليا، فقد استحوذت على نصيب الأسد من المسلات الأثرية المصرية، وقد أتاح احتلال روما لمصر الفرصة للاستيلاء على أثار وتحف مصرية تمثل كل العصور، ومن بين هذه المسلات، هناك مسّلة لها قصة طريفة، فقد استولى عليها الإمبراطور الرومامى الشهير«كاليجولا» عّم الإمبراطور «نيرون» الذى أحرق روما، ونقلها من منطقة «عين شمس» إلى روما، فى بدايات القرن الأول الميلادى، ثم تم نقلها فى القرن الـ 16 إلى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، كما يوجد مسّلة مصرية أخرى فى ميدان مهم، وهو ميدان جيوفانى بالقرب من قصر لاتيران.
أما الذى يثير فى الحلق مرارة الألم والوجع، أن تجد دولة مثل تركيا تناصب مصر العداء، ومع ذلك تهتم بالمسلة الفرعونية على أراضيها، وتضعها فى أهم ميادين مدينة إسطنبول.
والحق، أن تركيا استولت على المسلة الرائعة التى تعود لعصر الملك تحوتمس الثالث، أعظم من حكموا مصر عبر كل عصور التاريخ، من القسطنطينية، حيث كان الملك الرومانى «ثيودوسيس الأول» قد نقلها من مصر إلى بلاده، وعندما غزا العثمانيون القسطنطينية، استولوا على المسلة، ونقلوها إلى إسطنبول لتتوسط ميدان السلطان أحمد أهم ميادين المدينة!!
الملاحظ، أن المسلة المصرية التى تزين أهم ميادين إسطنبول التركية، محفور عليها نصا باللغة المصرية القديمة، الخط الهيروغليفى، يقول: «من خبر رع.. رب النصر قائم على كل البلاد الذى جعل حدوده تصل إلى قرون الأرض ومياه النهرين، بقوة وظفر على رأس جيشه الظافر مٌوقِعاً مذبحة عظيمة».
هذا النص الذى يزهو فخرا وعزة بقوة الجيش المصرى، مسجل على المسلة المنصوبة فى أهم ميادين إسطنبول، ليسرد للأتراك شعبا، وللزائرين تاريخ مصر الحضارى، وكأنه يقول لأردوغان ورجال حزبه الإخوانى: «هذه هى مصر، وهذا هو جيشها، يطاردك وجوده وقوته فى عمق بلادك».
تأسيسا على ما سبق، نسأل، كيف فات المسؤولون أن يضعوا فى حسبانهم عند تصميم العاصمة الإدارية الجديدة أن يستعينوا بمسّلة فرعونية عريقة وعظيمة وشاهقة، وتسرد بطولات الأجداد بعزة وفخر لتزين أهم ميادينها، فى مزج رائع بين العراقة والحداثة، وتعميق الانتماء والاعتزاز والتفاخر. إن الاستعانة بمسلة لوضعها فى أهم ميدان، أو ينشئ من أجلها ميدان خصيصا وبمواصفات مبهجة ومبهرة، فى العاصمة الإدارية الجديدة، أمر يصل إلى مرتبة الضرورة الحتمية!!
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة