ومثلما تفعل مذيعات شم الكله وبطح الرأس وبرامج الضرب على القفا، يسير عدد لابأس به من رواد التوك شو وعالم التواصل، هناك زحام وكل من هؤلاء يبحث عن مكان للضوء، حتى ولو عن طريق الشتيمة. لافرق هنا بين دعاة مدعين، ومثقفين متعطلين، كل منهم يبحث عن أكثر النقاط إثارة للجدل، ولو أطلق كلامًا موضوعيًا وفتح نقاشًا، لن يجد لدى الجمهور اهتماما. وعليه، يفترض إطلاق حكم سياسى أو تاريخى، ليس بهدف النقاش، أو وجهات النظر، لكن بهدف الفرقعة.
وربما يفاجأ البعض إذا علم أن أصحاب برامج البحث عن فضيحة، أو ملاسنات سياسية وتاريخية، يستندون إلى نظريات رائجة ومعتبرة فى الإعلام، أن النميمة، غالبا ما تمثل الجزء الأهم فى جذب جمهور متعطش إلى النميمة.
مثلا لم تكن مذكرات عمرو موسى تروج، لولا المعركة التى سببتها حواديته عن طعام سويسرى لجمال عبدالناصر، الدبلوماسى السابق، يعرف كيف يخاطب الكاميرا، ويداعب غرائز الجمهور، منذ كان فى منصبه، وفى مذكراته لم يطرح وجهة نظر قابلة للنقاش. فهو يعلم أن لا وقت للنقاش، لذلك ألقى قنبلة دخان، كانت مهمة لتسويق الكتاب، وكل هجوم أو مدح يبيع نسخة أو أكثر من الكتاب، وهذا هو المطلوب، بصرف النظر عن موقفك من مشروعية هذا.
ولا يمكن فصل هذا عن معارك يطلقها كاتب أو مثقف عن التاريخ، الذى يحتمل الخلاف والاختلاف، لكنها تهدف بالأساس إلى تأثير قنابل الضجيج، التى تلفت الأنظار، والدليل أن يوسف زيدان أصبح على سطح الأحداث نجما دائما ومتحدثا بصرف النظر عن موقف البعض منه، فالهدف ليس التاريخ ولا الجغرافيا، لكنه ملء ساعات البث، والفرجة. والتعارك على تاريخ لاعلاقة لجمهور اليوم الواحد به.
فى نفس السياق تأتى الفتاوى الجاهزة والتفصيل لعدد من الدعاة ووكلاء السلفية والدين الحصريين، وآخرها ما أطلقه الدكتور ياسر برهامى، عن تحريم ركوب التوك توك لمن يذهبون لصلاة الجمعة، وهى وغيرها من الفتاوى، تتطلب قدرا من التركيز فى «الفراغ» لتصبح جزءا من اهتمامات الناس.. ويبدو مثيرا للدهشة، أن مواطنا ترك مشكلاته الاقتصادية والحياتية، وانشغل بمدى جواز ركوب التوك توك.
برهامى ومنتجو فتاوى الغرائب، مثل إرضاع الكبير والعلاج بالرقية وبول الإبل ولحم الجن، يلعبون لعبة تجعلهم فى دائرة الأضواء، ومثلهم محترفون يجيدون لعب دور الأراجوز أو المجنون.. رجل قانون يطلع ليشتم ويحرض على التحرش، بفتيات بسبب ملابسهن.
هذا النوع الأنوى مطلوب لزوم تسخين الحلقات الباردة.. وإذا كان هناك مصدر طلع على الشاشة وجاب شتيمة، فلا مانع من تحويله إلى أيقونة وحاوى على شاشات التلات ورقات.. حيث المصدر المثير للضجة مطلوب أكثر من العارف أو الخبير، وهو مايجعل معلقا أو مغامرا، يرضى حالة النميمة وساعات التسالى ويصبح أكثر نجومية من المؤرخين والمتخصصين، الذين لايمكنهم لعب فقرة «الحاوى»، أو نمرة القرداتى.
وقد تكون مفاجأة للبعض أن يعرفوا أن نجوم الـ«الدوشة» يستندون إلى نظرية منقولة عن كبار مؤسسى الصحافة تقول: «إن الخبر ليس أن كلبا عض مواطنا، ولكن الخبر يكون عندما يعض الرجل كلبا»، وهو ما يجعل مهمة كثيرين هو البحث عن الكلاب المعضوضة.. ويردون بأن الجمهور شريك لنجوم الضرب والفرقعة، لأنه هو ما يمنحهم نسبة المشاهدة وحتى عندما يهاجمهم، فهو يمنحهم رواجا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة