على ناصية الشارع المقابل لبيتنا عرفتها، كانت امرأة فى منتصف الثلاثينات من عمرها، تقف لتبيع الجرايد والمجلات، متشحة بالسواد حزنا على زوجها عم إسماعيل الذى توفاه الله منذ عام، فوقفت مكانه لتبيع الجرايد والمجلات لتصرف على " كوم اللحم " على حد تعبيرها، فعندها من البنات والبنين سبع اكبرهن فتاة جميلة لا يتعدى عمرها الخمسة عشرة عاما تدعى "نوسة" .
كانت نوسة هى وأخيها الذى يصغرها بعام وأختهما التى تصغرها بعامين يستيقظوا باكرا مع امهم ويأخذون الجرايد والمجلات ويلفون بالشوارع المجاورة لبيعهم . وفى أحد الأيام وجدت ام نوسة قد خلعت الأسود التى كانت تتشح به وتهلل وتصيح على الجرايد والمجلات بصوت عال تغمره الفرحة والسعادة بل والتفاؤل ايضا فبحكم ذهابى لعملى كنت امر عليها يوميا لشراء الجريدة اليومية او مجلتى الاسبوعية المفضلة لدى، فوجدت أم نوسة تقول لى مش تباركى ياست هانم لنوسة اصلها خلاص ها تتجوز، تتجوز بس دى لسة صغيرة على الجواز، فقالت ولا صغيره ولا حاجه طب ده انا اتجوزت اصغر منها والجواز للبنات ستره، وانا عندى تلت بنات غيرها، واللى جاى على قد اللى رايح ولا الغلا اللى احنا فيه ده، ها ااكل واشرب واجهز منين بس، انا عندى كوم لحم ابوهم مات وسابهم لى، والعريس جاهز من مجاميعه مش ها يكلفنى حاجة، وجدت أن الكلام مع ام نوسة ملوش اى تلاتتين لازمة وخصوصا انها مقتنعة بجريمتها وتريد إقناعى انا ايضا، اخذت جريدتى وقولت لها مبروك ياستى لنوسة وام نوسة .
واختفت نوسة من الشارع وادركت انها تزوجت وقضى الامر، وبعد عدة اشهر لم اجد اثر لأم نوسة او احد من أينائها واستمر هكذا الحال عدة اسابيع، وفى صباح احد الايام وجدت شبح ام نوسة فاقتربت منها كى اتأكد انها هى، فوجدتها ام نوسة قد عادت تجلس مكانها امام الجرايد والمجلات متشحة بالسواد مرة اخرى، حزينة مكسورة، باكية، فصبحت عليها وسألتها مابك ؟ واين كنت الاسابيع الماضية؟ فقالت وهى تبكى نوسة تعيشى انت، ماتت وهى بتولد، ماتت فلم ادرى بنفسى وانا اقول لها مش قولت لك انها صغيرة على الزواج وبطبيعة الحال على الحمل والولادة فأخذت جريدتى وقولت لها البقاء لله ومشيت فيكفى ما هى فيه ،وتوالت الآيام وام نوسة على ماهى عليه من حزن وبكاء لاينقطع ،فكنت اشفق عليها كلما مررت عليها ووجدتها بهذه الحاله .وبعد ثلاثة اشهر تقريبا وجدت أم نوسة تهلل وتصيح على الجرايد بصوت عالى وقد خلعت الاسود التى كانت تتشح به، فصبحت عليها وقولت لها ايوه كده فقالت كفايه حزن بقا ماانا لازم افرح مش فردوس بنتى اتخطبت "دوسة" اتخطبت امبارح فقولت لها بس دى اصغر من نوسة الله يرحمها! فقالت نوسة ده عمرها واجلها كده بقا ها نعترض ودوسة باقى لها سنة على ماتدخل ويجهز العريس المهم انها إتخطبت ورجعت تردد نفس الكلام الجواز للبنات ستره، وعندها كوم لحم والغلا والاكل والشرب واللى جاى على قد اللى رايح ...... إلى اخره من مبررات تساعدها على ارتكاب جريمتها بضمير مستريح، فأخذت جريدتى ومشيت وانا اتمنى الا أجد ام نوسة متشحة بالسواد العام القادم، وانا اردد بداخلى "حسبى الله ونعم الوكيل" للجهل، للظروف ام... لكليهما .
...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة