كل الطرق والاعترافات تقود إلى أن غزو العراق 2003 تم بلا أدلة. وهى فى حد ذاتها جريمة يفترض أن تكون محل محاسبة، وبالطبع فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحاسب، بل إن هناك قوانين سنها الكونجرس خصيصا تمنع محاسبة الجنود الأمريكيين عن أى جرائم ارتكبوها خارج بلادهم بمافيها العراق.
والهدف من هذا التحليل ليس فقط اجترار الأحزان على تدمير العراق، لكن الربط بين الغزو ونتائجه، وما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تحولات، لأن الولايات المتحدة بعد ظهور تهافت أدلة الغزو، تحدث جورج دبليو بوشن وكوناليزا رايس عن الديمقراطية أو «المقرطة»، وهو ما بدا وهما آخر تحول إلى جريمة.
كان الإعلام الأمريكى بفضائياته وصحافته شريكا فى تبرير وتسويق الغزو، ومعه قطاع واسع من الإعلام البريطانى، وكان كتابا مثل توماس فريدمان يبشرون بأن الغزو بداية إدخال الشرق الأوسط فى جنة الرخاء والديمقراطية، وأن الاحتلال هو بداية الجنة، كان الإعلام الأمريكى يسوق عملية الغزو أحد أكبر الجرائم فى التاريخ الحديث، آخر اعتراف كان من رئيس الوزراء البريطانى الأسبق جوردون براون فى مذكراته بأن غزو العراق تم بناء على أدلة ملفقة وبعضها تافه، وقبله كان اعتراف تونى بلير وجورج دبليو بوش ورامسفيلد وكولن باول، وكونداليزا رايس، والإعلام الأمريكى الذى سوق لأكبر جرائم العصر، ما يزال يبيع بضائعه، ويلقى إعجابا وتقديسا من قطاعات «تقديس الأجانب» العائشين بالخارج.
لم يكن غزو العراق هو الجريمة الوحيدة كانت هناك سلسلة جرائم أبرزها تفكيك المؤسسات العراقية، والأجهزة الأمنية عمدا دون الحاجة لذلك، حيث تؤكد مذكرات بول بريمر، وتومى فرانكس، والقادة الذين تولوا العمل فى إدارة العراق أنه كان يكفى إزاحة صدام وعدد من القيادات، والإبقاء على المتخصصين فى إدارات الأمن والنفط والصناعة، لكن كان هناك تعمد أمريكى بناء على اتفاق مع القيادات العراقية الذين صنعتهم أمريكا ودخلوا بعد الغزو فوق دبابات أمريكية.
تم تقديم هؤلاء على أنهم نخبة «المقرطة» فى العراق، ومنهم أحمد الجلبى، وإبراهيم الجعفرى زعيم حزب الدعوة، وقيادات شيعية أصروا على تفكيك الدولة العراقية، وهو ما قاد إلى تفجير متعمد للنعرات الطائفية والعرقية، بناء على دستور طائفى، وكان التفكيك وزرع الطائفية متعمدا، وبداية لتزاوج تنظيم القاعدة مع المفصولين من قيادات الدولة والسنة، لإنتاج «داعش»، أحد أكثر التنظيمات الإرهابية إجراما وأشدها «تلغيزا».
لم يكن قيام داعش بعيدا عن إرادة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما بدا أن الغزو لم يكن يهدف إلى إسقاط صدام حسين وحزب البعث، لكن تفكيك الدولة بشكل يجعل من الصعب استعادتها، وهو ما سجله الصحفى الألمانى كريستوفر رويتر، مراسل مجلة دير شبيجل الألمانية فى كتابه «السلطة السوداء» ويقول: «لا يعود تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية إلى فقهاء وعلماء مسلمين، بل إلى جنرالات وضباط استخبارات علمانيين فى حزب البعث العراقى بمساعدة غير مباشرة من الجيش الأمريكى».
وذكر رويتر أن داعش بدا بعد غزو العراق عام 2003 تحت إشراف رئيس الإدارة الأمريكية السابق فى العراق بول بريمر، الذى حل الجيش العراقى، وتم بعده تصفية عدد من ضباط الجيش العراقى، مشيرا إلى أن ليس كل من تمت تصفيتهم كانوا تابعين لصدام حسين، واعتبر داعش تنظيم استخبارى، هدفه انتزاع جزء من العراق وسوريا لزرع دولة دينية، ولم يكن الهدف هو تحرير السوريين، ولا «مقرطة» العراقيين.
لم يكن الغزو هو الجريمة الوحيدة، بل أيضا نهب ثروات العراق والذهب والآثار، وزرع الطائفية، والحرب الأهلية، وهى جرائم تمت بتعمد، وبرعاية وتسويق الإعلام الأمريكى والأوروبى، بل السينما التى قدمت الغزاة على أنهم مقدسون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة