لا يجب أن يمر البيان المشترك الصادر عن الرئيسين ترامب وبوتين على هامش قمة أبيك فى فيتنام مرور الكرام، لأنه أكبر اعتراف أمريكى بانتصار بشار الأسد على مشروع أوباما - كلينتون الاستعمارى التدميرى، فالبيان المشترك يشدد على ثلاثة أمور أساسية، أولها عدم وجود حل عسكرى للأزمة السورية، بما يعنى سقوط الخيار الأمريكى المدعوم بالذيول فى المنطقة لإسقاط بشار الأسد بالقوة، والثانى استقلال ووحدة وسيادة أراضى الدولة السورية، والثالث، أن التغيير السياسى فى المرحلة المقبلة سيتضمن صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة وتضم كل السوريين دون استثناء فى الداخل أو فى الشتات، وهو نفس الكلام الذى صرح به بشار الأسد مرارا وأعلن استعداده لقبول نتائجه.
هذا البيان المشترك، أو التفاهم من اللاعبين الأبرز فى سوريا ينهى حقبة ويبدأ حقبة جديدة تماما، فخلال أشهر قليلة سينتهى وجود داعش فى سوريا والعراق، ومع نهاية العام الحالى سيتوقف برنامج الاستخبارات الأمريكية لدعم وتدريب وتسليح من يسمون بالمعارضة المعتدلة فى الأردن وتركيا وإرسالهم إلى سوريا، كما صدرت الأوامر للدول الذيول فى المنطقة بوقف دفع الأموال لتجنيد مزيد من المرتزقة من آسيا لإرسالهم للقتال فى سوريا أو دفع الأموال مباشرة إلى داعش، وبالتالى ستتوقف الحرب عمليا فى سوريا ونبدأ التفكير فى ملفات من قبيل تشكيل لجنة صياغة الدستور ولجنة الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتوازى مع ملفات عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
البيان المشترك بين ترامب وبوتين، لم ينص على استبعاد الأسد من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبعيدا عن الدعاية الأمريكية ودعاية فضائيات الدول الذيول فى المنطقة، لو ترشح بشار فى انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف الأمم المتحدة سيفوز بولاية رئاسية جديدة وبنسبة كبيرة عن أقرب المرشحين الذين سيكونون من المعارضة الأمريكانية أو المعارضة الذيلية أو الأكراد الانفصاليين، وبالتالى سيكون الأسد هو مسؤول الملفات الأكثر إلحاحا فى المرحلة المستقيلية مثل إعادة بناء الدولة السورية وضبط علاقاتها مع دول الجوار ومع واشنطن وطهران وتل أبيب، كما سيكون - ويا لسخرية القدر - الرجل الذى سيتلقى مليارات الدولارات منحا ومساعدات من بعض الدول فى المنطقة، بعد أن تتلقى الأمر المباشر من واشنطن بتحمل فاتورة عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
أهم ما فى البيان المشترك، وما يجعلنا نتعجب من تحولات المواقف، أن ترامب يسير على خطى أوباما وهيلارى كلينتون بأستيكة، فهو يتبنى مشروعا مناقضا تماما لما تبناه الديمقراطيين الفاشلين وأنفقوا عليه مليارات الدولارات، فلا هو معنى بالإطاحة بالأسد وكذلك غير مهتم بهدم سوريا وتفتيتها إلى آخر هذا الهراء السياسى الذى ثبت فشله وتأثيره السلبى على الغرب كله، بانتشار ظاهرة الذئاب المنفردة والفكرة الداعشية التى يمكن أن يعتنقها رجل فى آلاسكا أو امرأة فى نيوجيرسى ويرتكبان جريمتهما بقتل عشرات الأبرياء فى لحظة.
الرجل يفكر بعقلية رجل الأعمال ويتساءل، لماذا أضع أموالى فى مشروع خاسر؟ وكيف أنفد بجلدى بأقل الخسائر الآن وليس غدا، ثم أفكر فى طريقة لتعويض ما خسرته فى هذه المنطقة الموبوءة والمليئة بالأبقار السمينة، ولله فى خلقه شؤون وشجون!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة