فى الحقيقة لا أفهم المنهج الذى نفكر به فى حياتنا ولا الذى نتناول به تاريخنا ومستقبلنا، فهو منهج غريب قائم على أخذ الفكرة من أطرافها وجذبها ناحية صناعة الشو الإعلامى، دون دافع حقيقى للإفادة ولا قصد من ورائها إلى منفعة عامة، ونضرب مثلا فى ذلك بما يسمى «الرموز التاريخية».
المعركة اشتدت بعدما أخذ الدكتور يوسف زيدان فى الهجوم على بعض الرموز فى التاريخ العربى والإسلامى والمصرى، مدعيا أنه يفعل ذلك بقصد تغيير رؤيتنا فى هذه الشخصيات التى تم تزوير تاريخها عبر العصور المتعاقبة، وتم تقديمها فى المناهج الدراسية بشكل «نموذجى» لصالح نظم سياسية جاءت بعد ذلك كان من مصلحتها أن تقدم هذه الشخصيات بهذا الشكل، ومن الشخصيات التى وقعت ضحية للدكتور يوسف زيدان القائد الإسلامى الشهير صلاح الدين الأيوبى، والزعيم المصرى أحمد عرابى.
لكن فى غمرة النشوة الإعلامية نسى الدكتور يوسف زيدان شيئين مهمين جدا، الأول أنه تبنى وجهة نظر واحدة فى هذه الشخصيات، ففى مقابل وجهة نظره التى تبناها معتمدا على كتب بعض المؤرخين هناك مؤرخون آخرون قالوا عكس هذا الكلام أو برروا له، وبالتالى فإن تبنى يوسف زيدان لأحد الفريقين غير منصف، والأمر الثانى يكمن فى الطريقة، كما يقولون، حيث يمارس يوسف زيدان أسلوب الصدمة مع جمهور المتلقى، وهذا الأمر خطير جدا، لأنه يجعله يظهر فى شكل «عدائى» أمام الناس الذين لن يتقبلوا بسهولة الإطاحة بالأسس القديمة التى تربوا عليها، وهذا ليس فى مصلحة الفكرة التى يسعى إليها يوسف زيدان، وكان من الواجب عليه أن يصنع حلقة من الثقة والود بينه وبين المتفرج حتى يكون مهيأ ومستعدا للاستماع والتفكير، وبالتالى تتحقق النتيجة المرجوة.
فى المقابل قامت القيامة ضد يوسف زيدان وغيره من أصحاب الفكر المخالف، وكأنهم أفسدوا لنا البئر الوحيدة التى نشرب منها، حدث ذلك للدرجة التى دفعت البرلمان المصرى إلى التفكير فى قانون «حماية الرموز التاريخية» وهو أمر كارثى وخسائره أكثر من فوائده، وعن نفسى لا أرى له فائدة واحدة، بل سيسعى إلى الحد من التفكير وسيعود بنا إلى مرحلة من الظلامية لم نمر بها من قبل، وبينما الشعوب تسعى للنور سنعود نحن للخلف كى نقيم محاكم التفتيش ونمارس فعل المصادرة السيئ.
لا أعرف لماذا البعض يدافع عن الشخصيات التاريخية كأنها «تنزيل من السماء» متناسين أنهم بشر ارتكبوا الجميل والقبيح من الأمور، ومعظمهم فرضت عليه الظروف تصرفات معينة وأكثرهم لم يكن يعرف أنه يصنع التاريخ أصلا.
خلاصة القضية أن الجميع مخطئ، الفريق الناقد للشخصيات يشعرنا بالتربص وعدم الحياد، والمدافعون يؤكدون أنهم يحبون الثبات ولا يؤمنون بالحركة ولا يريدون لنا أن نحلم بمستقبل به منهج علمى يأخذنا للأمام، يريدون لنا أن ندور فى حلقة مفرغة من التلقين العقيم الذى لن ينتج لنا سوى أشباه متعلمين وأشباه مفكرين.