يساعدنا تحليل نمط التصويت فى المنظمات الدولية على فهم حقيقة المواقف الرسمية من القضايا المختلفة، وفى حالة الجلسة التى عقدتها اللجنة الثالثة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول حقوق الإنسان فى إيران مساء أول أمس الثلاثاء، يبدو المثال نموذجيا لمعرفة مجموعة حقائق عن علاقات إيران الدولية ودور الدول الكبرى فى مجابهة أو مساندة طهران إزاء سلوكها الداخلى.
علاقة كندا بمشروع القرار
ناقشت اللجنة الثالثة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حالة حقوق الإنسان فى إيران وبعد المناقشات أصدرت قراراً، بأغلبية 83 دولة، يدين طهران لانتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان، وتزايد الإعدامات وقمع القوميات والأقليات الدينية، وحاز القرار على 30 صوتاً معارضاً مع امتناع 68 عضواً عن التصويت.
الجلسة التى انعقدت أمس الثلاثاء
مندوبو الدول المؤيدة للقرار أعربوا عن قلقهم من التزايد المضطرد لانتهاكات حقوق الإنسان فى إيران، بما فى ذلك ارتفاع معدلات الإعدام والتمييز ضد النساء والأقليات العرقية والدينية والاعتقالات التعسفية للنشطاء والصحفيين والمنتقدين.
اللافت فى هذا المشروع، أن من أعدته هى دولة كندا التى تربطها علاقات متذبذبة مع إيران، ففى السنوات الأخيرة، قطعت كندا علاقاتها مع طهران وفى يوم الجمعة الموافق 7 سبتمبر بالعام 2012، قال وزير الخارجية الكندى جون بيرد، إن بلاده أغلقت سفارتها فى إيران وستطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين الباقين فى كندا فى غضون 5 أيام، واعتبر أن طهران تمثل أكبر تهديد للأمن العالمى.
بعد مضى نحو ثلاث سنوات ونصف السنة، وتحديدا فى يوم الثامن من مارس بالعام الماضى 2016، قال رئیس الوزراء الكندى جاستن ترودو، إنه یجدد تأكيده علی إعادة فتح سفارة لبلاده لدی طهران، وإنه يرغب فى أن يری سفارة كندا مفتوحة مجددا فى طهران.
الاستخدام الأمريكى لكندا
مع ذلك أعلنت كندا أن هناك قلقاً عميقاً من جانب المجتمع الدولى إزاء تزايد الإعدامات خاصة إعدام القاصرين والنساء، ونددت بعدم تعاون إيران مع الآليات الأممية وعدم التزامها بتعهداتها الدولية بوقف الانتهاكات وتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
فيلم أرغو
بالرجوع للتاريخ القريب يتضح أن الموقف الكندى ثابت فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، فقد أصدرت المحكمة العليا فى ولاية أونتاريو حكما يقضى بأن تستفيد عائلات مواطنين أمريكيين قتلوا فى 8 هجمات ارتكبت بين 1983 و2002 من الممتلكات والحسابات المصرفية التابعة للحكومة الايرانية فى كندا تلك التى تجمدها الحكومة، منذ توقيع العقوبات الأدولية على إيران كتعويض عن الحادث.
من الموقف الكندى يتضح أن واشنطن هى المحرك وراء المشروع؛ لأن كندا معروفة تاريخيا بالذارع الخفية للولايات المتحدة الأمريكية فى القضايا المتعلقة بإيران فى المنظمات الدولية، كما ينسب لكندا لعب دور مهم فى عملية تهريب ستة دبلوماسيين كانوا ضمن عدد من الرهائن المحتجزين فى السفارة الأمريكية بطهران بالعام 1979 فيما يعرف بعملية "أرغو".
تحليل نمط التصويت
يعد نمط التصويت واحدا من الأدوات التى تشرح طبيعة التوجهات الدولية ضد دولة بعينها، وفى الحالة التى بين أيدينا ومن خلال قراءة لوحة التصويت التى ظهرت فى قاعة التصويت بالأمم المتحدة يتبين أن الدول الغربية بالإجماع أيدت القرار.
نمط التصويت
وأظهر التصويت تأييد الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية فرنسا ومملكة بريطانيا وألمانيا الاتحادية، مشروع قرار يدين إيران على خلفية سلوكها ضد حقوق الإنسان، ما يعنى باختصار أن القرار قد يمهد لخطوتين متتاليتين، أولا: أن يطرح للتصويت فى الجمعية العامة، وثانيا: أن تصدر حزمة جديدة من العقوبات الدولية على إيران لثنيها عن المضى قدما فى سياستها مع قضايا حقوق الإنسان.
وبطبيعة الحال أظهر التصويت رفضا روسيا وصينيا لإدانة إيران لاعتبارات المصالح الاقتصادية الصينية المركبة مع إيران، إذ تعد بكين أكبر مستورد من طهران وتبيع لها الأخيرة المنتجات النفطية والبتروكيماويات بتسهيلات فى الدفع والسداد، كما تساند موسكو طهران؛ حتى تظهر بشكل مستقل عن الدول الغربية، وليس حماية لإيران من العقوبات لأنها كانت فى بوتقة واحدة مع إيران فى مشروع جاستا الأمريكى الأخير.