أواصل قراءاتى للدور الأمريكى فى العالم العربى والإسلامى، وذلك استنادًا للدراسة الخطيرة للباحث معمر فيصل خولى، فى دراسته حول أمريكا وداعش والعراق والشرق الأوسط، حين تتضح بشكل متزايد ملامح جهد أمريكى متعدّد الأوجه، دبلوماسى وعسكرى لاحتواء العراق. فعلى الجانب الدبلوماسى تدعم إدارة الرئيس دونالد ترامب حكومة رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى لعلمها بحاجته الأكيدة لمثل ذلك الدعم فى مواجهة الضغوط الشديدة عليه من قبل كبار رموز العائلة السياسية الشيعية التى ينتمى إليها والمعروفين بموالاتهم لإيران وحرصهم على تأمين مصالحها وحماية نفوذها فى العراق.
وجاءت أحدث رسالة دعم من الولايات المتحدة الأمريكية لرئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، من خلال اتصال هاتفى، تلقّاه من الرئيس الأمريكى دونالد ترمب، وقال مكتب رئيس الوزراء العراقى، فى بيان، إنّه جرى أثناءه بحث «تعزيز العلاقات بين البلدين فى مختلف المجالات، والانتصارات المتحققة ضد داعش، والدعم الدولى للعراق فى محاربة الإرهاب». ونقل البيان عن ترامب قوله للعبادى إنّ «التعاون بين البلدين لا بدّ أن يستمر خصوصا فى المجال العسكرى»، ويبدو مثل هذا الخطاب الدبلوماسى الناعم أبعد ما يكون عن خطاب دونالد ترامب الاندفاعى والمتصلّب تجاه الجميع، بما فى ذلك أقرب حلفاء الولايات المتّحدة، والذى طال العراق فى وقت سابق حين صرّح ترامب، خلال حملته الانتخابية بوجوب الاستيلاء على النفط العراقى والخطاب الدبلوماسى لإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه العراق- دون شكّ- من صنع دوائر تفكير وصنع قرار وازنة تخطّط لعمل استراتيجى بعيد المدى لاحتواء هذا البلد الغنى ذى الموقع الاستراتيجى بالغ الأهمية الذى يجعل منه مدار صراع إقليمى ودولى شرس.
وبالتوازى مع الجهد الدبلوماسى الأمريكى المنصب على العراق، شرعت الولايات المتّحدة الأمريكية فى تأمين وجود عسكرى لها على الأراضى العراقية، لتصحيح ما تعتبره إدارة دونالد ترمب خطأ الانسحاب من هذا البلد وتسليمه لإيران بعد صرف «تريليونات من الدولارات» على غزوه وإسقاط نظامه السابق. وتمثّل الحرب على تنظيم داعش فرصة مواتية لتأمين تلك العودة العسكرية. فغالباً ما كان يُلقى اللوم فى النجاح الباهر الذى حققه تنظيم داعش فى العراق يونيو عام 2014 على فشل إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما فى تأمين وجود للقوات الأمريكية فى العراق بعد عام 2011، وأن احتلال داعش لأراضى عراقية واسعة تضم محافظات ومدنا كبيرة عام 2014 وسيطرته على ما يقارب نصف مساحة العراق أصبح مفتاح إعادة الاحتلال من جديد، لأن ما تبقى من القوات الأمريكية بعد الانسحاب ليست بقوات عسكرية كبيرة ولكن مجموعة من التمركزات المكلفة بمحاربة التنظيمات المسلحة، ومع احتلال داعش وتمدده لم يكن التدخل الأمريكى حقيقيا وجادا فى معالجته واقتصرت نشاطاته على طلعات استعراضية فى ضرب تنظيم داعش، وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية التى تأخرت فى دعم حكومة حيدر العبادى ضد تنظيم داعش كانت لديها أسباب استراتيجية عديدة منها:
1 - رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى تلقين العراق درسًا لرفضه إقامة قواعد عسكرية أمريكية على أرضه.
2 - سعيها إلى إبراز ضعف المجهود العسكرى الإيرانى وعجز طهران وبغداد عن إيجاد قوة نارية جوية واستخباراتية لاحتواء تقدم داعش.
3 - رغبتها فى رضوخ الإدارة العراقية لكل طلباتها التى ستأتى لاحقا.
وقد جاء التحرك الأمريكى ضد تنظيم داعش فى العراق استجابة للمعطيات الآتية:
أولا: أن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما تدخل لحماية الكيان الكردى (شبه المستقل) من السقوط، لما يمثله من أهمية استراتيجية للمصالح الأمريكية.
ثانيا: جاء تدخل أوباما بعد ساعات قليلة من إعلان شركات نفطية غربية كبرى (اكسون موبيل وشيفرون ودى أن أو النريجية، وجينيل التركية) سحب موظفيها من شمالى العراق بسبب تقدم داعش، ما يعنى تأثيرا مباشرا على إمدادات النفط.
ثالثا: أن سقوط الإقليم الكردى يفتح الطريق أمام داعش لتهديد دول مجاورة، فى شرق العراق وشماله، ما يحوله إلى خطر إقليمى مباشر للمصالح الحيوية الأمريكية.
رابعا: أن سقوط سد الموصل الاستراتيجى تحديدا يمثل تتويجا لـ«فتوحات قوات داعش» المستمرة- آنذاك- دونما تحدٍّ حقيقى فى سوريا والعراق، ما سيشجعها على استهداف بغداد، وهو ما كان ينذر بمجازر وحرب شوارع قد تستمر لشهور، وينتهى معها العراق كما عرفناه إلى الأبد.
خامسا: أن الغارات الجوية الأمريكية قد تفشل فى تحقيق أهدافها، حيث إن مواجهة داعش تسلتزم وضع قوات أمريكية على الأرض، وهو ما كان يرفضه أوباما تفاديا لتكرار خطيئة سلفه جورج دبليو بوش، وهو المسؤول الأول عن دخول القاعدة وأخواتها من التنظيمات المسلحة إلى العراق، إلى جانب أن التدخل الأمريكى أصبح يفتقر إلى أى شعبية بسبب جرائم الحرب التى ارتكبها المارينز أثناء احتلالهم للعراق. «يتبع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة