الهدوء يفرد جناحيه على القصة ويحاول جاهدا أن يشملها بعطفه، بينما نوافذ الحياة تفتح درفها كل يوم لأحداث جديدة وتطورات متباينة فى مواقع عديدة من العالم . والعالم كله واحد يشد بعضه بعضا، مرة الى هذا الاتجاه، ومرة الى ذاك الاتجاه بحسب الظروف وبحسب مواقع الأحداث المؤثرة . وما تطورات الأحداث إلا أحد الرهانات الحاسمة التى يمكن للبعض التعويل عليها واستخدامها لخدمة توجهاته . اذ كثيرا ما تحمل تطورات الأحداث الناس والأماكن والقصص كالموج الجاسر الى حيث تريد، ثم تترك كلا ليرى لنفسه طريقا حيث وجد نفسه . وفى ظروف أزمة كأزمة السفاح البدين، فان انتظار ظهور موجة جسورة عارمة فى الأفق أو عدة موجات متتالية مؤثرة على العالم قد يكون الحلم الأكبر . فمن شأن ظهور تلك الموجة أو الموجات اتاحة الفرصة لاختفاء ظروف وعوامل وسيطرة ظروف وعوامل أخرى مواتية للسفاح البدين وأصدقائه من المجرمين ومن الشياطين . ومن هذه الموجات المؤثرة المقبلة والتى قد تلوح فى الأفق الآن موجة خروج تلك القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية من ذاك التجمع الكبير . اذ تمثل القوة الساعية الى الخروج حوالى خمس اقتصاد العالم كله، وهو قدر هائل من القوة الاقتصادية التى قد تعادل جبلا . فإذا تحرك هذا الجبل الاقتصادى فان حركته – بالتأكيد – قد تثير دنيا من الرياح والأمواج الهادئة الطيبة والصاخبة الموجعة .
ولا يخفى ما لهذه القوة الاقتصادية الاستعمارية القديمة من مصالح كبيرة وخطيرة ومتشعبة فى بقاع كثيرة من العالم، وخاصة فى المنطقة التى ابتليت بالسفاح البدين . فلهذه القوة الاقتصادية الساعية الى الاستقلال بنفسها عن القارة العجوز - بكل ما تملك من إمكانات - اهتمام خاص بالمقدرات التى يتحكم فيها السفاح البدين من الغاز ومن البترول ومن الأموال ومن فرص الاستثمار الواعدة فى ذلك الجزء من العالم الثرى والمحب للإنفاق وللرفاهية . وقد يزيد اهتمام تلك القوة بالسفاح البدين وبالمقدرات التى يتحكم فيها فور استقلالها الذى تسعى فيه سعيا حثيثا اليوم، رغم ما قد يكلفها من غرامة مالية ضخمة، ورغم ما قد يسببه لها من آلام أخرى اقتصادية وسياسية . ومن هذه الموجات التى ترى فى الأفق، ما يتعلق منها ببعض دول منطقتنا التى ترقد على فوران كبير . ومن هذه الموجات المحتملة الظهور فى الأفق، ما يتعلق منها بالصراع بين القوتين العظميين . ومن هذه الموجات ما قد يتعلق منها بقيادة أجنبية عظيمة القدر وما تثيره هذه القيادة فى وطنها من أسئلة كثيرة ومخاوف أكثر بشأن المستقبل واحتمالات استمرار هذه الشخصية فى الحكم .
ان مواجهة السفاح البدين لا ينبغى – بحال من الأحوال – أن تهدف الى وقف نشاط السفاح الإرهابى فقط أو القصاص منه فقط والمطالبة بتعويضات، ولكن ينبغى التأكد من عدم عودته الى الإرهابى من السلوك . كما ينبغى العمل على ألا يصبح السفاح البدين قدوة للمجرمين الذين قد يرون فيه مثلا يحتذى اذا ما أفلت بأفعاله وجرائمه تحت ستر من المصالح السياسية الأنانية ومن المتغيرات الدولية الخادمة لأهداف السفاح ومشروعه فى الإبحار الى فضاء بلا مساءلة ويحكمه الدرهم والدينار والريال . بل ينبغى – فى الوقت الراهن – البحث بعمق فى ممارسات السفاح جميعا – سابقا وحاضرا – للعثور على المزيد من الأدلة التى تدين السفاح ورفاقه وأعوانه والمخلصين له والعاملين تحت امرته . ويتعين علينا مواصلة العمل على تبنى المجتمع الدولى مسؤولياته بشأن مكافحة الإرهاب الدولى، والاتعاظ بالتجارب السابقة والحاضرة التى تؤكد عالمية ظاهرة الإرهاب واتصالها بالجميع، وعدم التنكر لهذه المسؤولية طمعا فى المنفعة الاقتصادية الخاصة، لأن الإرهاب يقتل الانسان ويقتل الاقتصاد ويقتل كل شيء فى وجهه .
ان الطريق الى أمن الأمم والشعوب ورفاهيتها طويل وشاق وملىء بالكد والتعب، وما كان يوما طريقا سهلا وميسرا . وانما عاش من عاش من الأمم بفضل جهدها وعملها واتصالها بالعلم والابتكار والعمل الدؤوب فى كل صوب للاعداد للغد المقبل بالكثير من الخير وبالكثير من التحديات ومن الصعاب .
ان المواجهة مع السفاح البدين هى مواجهة تدخل فى باب " الأزمات المزمنة " التى تتطلب علاجا طويلا وجراحات كثيرة متتالية وربما على مدار سنوات يعلم الله عددها . ومن ثم، فان الفتور والملل والتعب والضجر يتحالفون مع السفاح البدين ضدنا، ولا ينبغى السماح لهم بالنفاذ الى قلوبنا أو الى أجهزتنا الوطنية الشريفة . فالسفاح البدين ليس عدوا، ولكنه عالم مظلم . فليتضمن برنامجنا للغد تصعيدا للجهد المدروس فى مواجهة السفاح، وتصعيدا للبناء وللتعليم وللشمول المالى وللشمول الاقتصادى، لأن قوة المجتمع تكمن فى قوة أفراده جميعا وفى مشاركتهم جميعا . حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه الى الخير .