تربينا جميعا على قصة على بابا والأربعين حرامى، سمعناها شفهيا وقرأناها فى قصص الأطفال وشاهدناها فيلما ومسلسلا وغير ذلك، لكننا مؤخرا رأيناها حقيقة على الأرض، لكنها للأسف لم تكن فى بلاد العرب، بل كانت فى بلاد الصين، وذلك لأن اسم أحد أكبر المتاجر الإلكترونية حول العالم، والذى حقق، فى يوم واحد، هو يوم 11نوفمبر الجارى مبيعات قدرت بـ25 مليار دولار أمريكى.
نعم "على بابا" العصر الحديث صينى وهو الملياردير "جاك ما"، الذى فتح له عالم الإنترنت بوابة الثراء، بعد معاناة طويلة مع الفقر، إذ عانى منذ طفولته ماليًا وهو ما أثر بدوره على دراسته التى واجه فيها صعوبات أيضا، حيث فشل مرتين فى اجتياز اختبارات الجامعة ليدخل جامعة تعتبر من أضعف الجامعات هناك، وذلك فى عام 1984.
وبعد أن تخرج "جاك ما " قام بالعمل مدرسا للغة الإنجليزية، وكان يحصل على راتب قليل لا يتعدى الـ15 دولارًا شهريًا، 120 يوان صينى، وفى محاولة لتحسين دخله جاءته فرصة للسفر إلى أمريكا، ولاية ستايل إحدى مدن الشمال الغربى بالولايات المتحدة الأمريكية، وهناك بدأ الطريق، فبعد تعرفه على الإنترنت، فكر فى إنشاء موقع كدليل للأعمال التجارية، وهو ما قام به فور عودته إلى الصين وأطلق عليه اسم "الصفحات الصينية"، لكن هذا الموقع لم يحقق نجاحًا كبيرًا، فعرض على عدد من أصدقائه مشروع موقع للتسويق الإلكترونى يسمى "على بابا" وبدأ النجاح.
عن نفسى بعدما قرأت ما يتعلق بالمبيعات المهولة لـ على بابا الصينى فكرت فى ثلاثة أشياء، الأول أن على بابا فى ليالى ألف ليلة ذلك الفقير الذى يعمل حطابا وعثر على المغارة التى يخبئ فيها اللصوص الأربعون ما يسرقونه، كان يعتمد على كلمة سر هى "افتح يا سمسم"، وهى الكلمة التى أوحت للرجل الصينى بأن الإنترنت الآن هو "افتح يا سمسم" وأنه الطاقة القادرة على تغيير حال الإنسان لو تمت الاستفادة منها بشكل سليم.
الأمر الثانى هو أننا فى الوقت الذى ننشغل فيه بالقضايا الفرعية، ونعود بقوة إلى الأفكار التى قتلت بحثا، ونمارس دور المراقبين والمتربصين بأفكار الآخرين، ونهون من محاولات بعضنا لفعل شيء، ونضع لافتات كبرى نسير تحتها تحمل شعارات ولا تحمل فعلا أو قدرة على الفعل، هناك آخرون يحققون مبيعات تتجاوز ميزانيات دول .
الشيء الثالث هو أن على بابا بصورة أو بأخرى صورة اعتبارية عن الصين، تؤكد ان الإمبراطورية الصينية التجارية هى تنين الاقتصاد العالمى الآن، وأنها تمسك بقوانين السيطرة بقوة، وأن مستقبلها لا يزال مضيئا فى فرض نفسها على العالم الغربى والشرقى، وأنها تجيد استخدام إمكانياتها وإمكانيات الآخرين وتوظف كل ذلك لمصلحتها، لتظل فارضة كلمتها على الجميع .