أكرم القصاص

من يفوز فى حرب الصور؟!.. تحولات سلطة الدعاية فى واشنطن وموسكو

السبت، 18 نوفمبر 2017 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بمناسبة الحديث عن صراع القوى الناعمة بين الولايات المتحدة وروسيا، وكيف تواجه أمريكا التى ظلت تتفوق فى المجال العالمى منافسة من مؤسسات إعلامية روسية، ويعترف الكونجرس بعجز وفشل، هذه الأدوات الضخمة للصور والترفيه والسينما أمام محطة تليفزيون دولية مثل روسيا اليوم وملحقاتها سبوتنيك وغيرها، لدرجة السعى إلى تشريعات تحد من تحركات هذه المؤسسات فى أمريكا، وترد روسيا بالمثل، هذه حرب توقعها مفكر المستقبليات الأمريكى «ألفين توفلر» قبل 27 عاما فى كتابه «تحول السلطة»، وكان يشير إلى أن عصر الاتصالات والمعلومات الرمزى يطيح بأشكال السلطة القديمة، ويطرح أشكالا جديدة يمتلكها من يمكنهم قراءة مفردات العصر، وربما نكون بحاجة لقراءة مفردات هذا الصراع وأشكاله ونحن نتحدث عما نريده لمستقبلنا.
 
كسبت الولايات المتحدة الحرب الباردة بسباق التسلح وتوازن الردع النووى، وبالقوة الناعمة، حيث تمتلك ولا تزال أكبر قوة للصور والترفيه، واعترف منظرو اليسار والمعسكر السوفيتى بالهزيمة أمام الغرب بفضل قوة الصورة فى هدم مثالية النموذج الاشتراكى، ولم يسقط سور برلين عام 1989 بالسلاح، ولكن بزرع أشواق الرفاهية والحرية لدى شعوب معسكر شرق أوروبا خلف ما أطلق عليه الغرب «الستار الحديدى»، احتفت المخابرات المركزية الأمريكية باعترافات منظرى اليسار الكبار ومنهم روجيه دوبريه بأن الهزيمة تمت بضربات ناعمة.
 
بعد اختفاء الستار الحديدى، لم تقدم أمريكا واقعا لأساطيرها الملونة بعد هجمات 11 سبتمبر، طرح الأمريكيون سؤالا: لماذا يكرهوننا، ومع غزو العراق تحدثوا عن «كسب القلوب والعقول»، فقد أصابت حروب وغزوات جورج دبليو بوش، صورة أمريكا بشروخ، ومنحت ثورة التقنية والاتصالات قدرات أكبر ومكنت منافسى أمريكا من توظيف قوتها الناعمة، وصلت لحد انتشار مخاوف فى أوروبا من تدخلات روسية فى الانتخابات، فى ألمانيا وفرنسا، وإسبانيا، فيما تبدو روسيا وقد عرفت طريقها لاكتشاف تأثير القوة الناعمة، وأن تمتلك قدرة على المساهمة فى حكاية قصة العالم وما يجرى ظهرت روسيا اليوم وسبوتنيك مواقع ومراكز أبحاث.
 
وهو ما يطرحه كتاب «الإعلام الأمريكى بعد العراق.. حرب القوة الناعمة»، لمؤلفيه «نيثان جرديلز» و«مايك ميدافوى»، ترجمة بثينة الناصرى، ويتحدثان عن شروخ النموذج الناعم لأمريكا، وامتلاك آخرين لهذه القدرات، وهو ما يظهر فى صعود صورة روسيا ووجودها على سطح الأحداث والتأثير، وتبدو كأن موسكو بوتين تلملم ما خلفته سياسات أمريكا وحلفائها فى سوريا وليبيا، لدرجة اتفاق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فلاديمير بوتين على الحل السياسى فى سوريا، ويؤيد أقوال بوتين أنه لا تدخلات روسية فى الانتخابات الأمريكية، بينما تسخر المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من الاتهامات الأمريكية، وتعتبرها قصة وهمية من قصص «هوليود»، بل وتتهم شركة تويتر بأنها تتبع تعليمات «سى.آى. إيه».
 
وإذا كانت هذا هو حال الدول العظمى التى تسعى لامتلاك القوى الناعمة التى تبدو فى نفس أهمية القوى الخشنة للجيوش، ويلفت البروفيسور الأمريكى جوزيف ناى فى كتابه «القوة الناعمة وسيلة النجاح فى السياسة الدولية» إلى أن النجاح فى عصر المعلومات، ليس «جيش من الذى فاز، وإنما خطاب من الذى فاز»، ويرى أن أغلب موارد القوة الناعمة الأمريكية خارج نطاق الحكومة، فى القطاع الخاص والمجتمع المدنى، فى التحالفات الثنائية والمؤسسات متعددة الأطراف، والتعاقدات عابرة الجنسية.
 
ويطلق ناى اسم «مولدات القوة الناعمة غير الرسمية» على كل شىء من هوليوود إلى هافارد إلى مؤسسة جيتس. ويقصد المؤسسة الخيرية التى أسسها بيل وميليندا جيتس عام 2000 بـ126 مليون دولار من أرباح مايكروسوفت وتضاعف حجمها 2006 عندما انضم إليها وارن بافت- ثانى أثرى أثرياء العالم بعد بيل جيتس، وأهدافها عالميا تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر، وفى أمريكا توسيع فرص التعليم والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات، وهنا يمكن النظر إلى اعتبار مؤسسة أهلية مثل جيتس وأمثالها من ضمن القوة الناعمة الأمريكية، بجانب مئات الأدوات المختلفة التى تبدو اليوم أقل تأثيرا مما كانت عليه بعد كسب الحرب الباردة، وتسعى لاستعادتها الآن وهو أمر تحيطه شكوك فى وجود منافسة من دول أخرى اكتشفت سر كسب الصراع وكسب العقول والقلوب، وهو درس ربما نكون فى أشد الحاجة لتعلمه ونحن نواجه عالما معقدا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة