واضح أن توقعات علماء المستقبليات عن تحولات فى شكل سلطة الإعلام والدعاية والتأثير بفضل ثورة الاتصالات والتقنيات، تجد سبيلها للتحقق.. حيث تتحول روسيا إلى «بعبع» أوروبا فيما يتعلق بالخوف من القرصنة والتجسس، وهو خوف انتقل من الولايات المتحدة إلى أوروبا. وبينما تتواصل اتهامات وتحقيقات وزارة الأمن الداخلى الأمريكية بحثا عن أدلة تدخلات روسية إلكترونية فى الانتخابات الرئاسية، تتهم رئيسة وزراء بريطانيا، تريز ماى، موسكو بشن حملات إلكترونية بهدف التلاعب بالرأى العام وتوجيهه للخروج من الاتحاد الأوروبى.. فقد اتهمت رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماى، روسيا وقالت فى مأدبة عشاء الأسبوع الماضى: إن النشاطات الإلكترونية الروسية تشمل «استخدام منظماتها الإعلامية الحكومية لزرع روايات كاذبة ونشر صور تم التلاعب بها».
الخارجية الروسية ردت سريعا واتهمت ماى بتحويل انتباه الشعب عن المشكلات الداخلية.
يأتى هذا فيما تجرى بريطانيا تحقيقات بشأن محاولات روسية للتأثير على استفتاء بريكست العام الماضى.. وطلبت اللجنة البرلمانية للمعلومات الرقمية والإعلام بيانات من «تويتر وفيس بوك» عن حسابات مرتبطة بروسيا.. واتهم مدير الأمن المعلوماتى البريطانى روسيا بشن هجمات معلوماتية على وسائل إعلام بريطانية والتدخل فى الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكست» ضمن سعى موسكو لتقويض النظام العالمى.
ويبدو لافتا للنظر أن يسيطر الرعب من القرصنة الروسية فى الدول الكبرى، التى تمتلك أدوات حماية وأمن، وقالت «وول ستريت جورنال» إن وكالات حكومية أمريكية عثرت على برامج تتعلق بالأمن السيبرانى تابعة لشركة كاسبرسكى الروسية، على أجهزة الكمبيوتر لديها، وطالبت الحكومة الشركات بالبحث عن منتجات الشركة وإزالتها.
وشركة كاسبرسكى متخصصة فى مضادات الفيروسات والقرصنة والأمن المعلوماتى تتخذ من موسكو مقرًا لها، وطلبت وكالات الأمن المعلوماتى إزالة منتجات الشركة من الأجهزة لوجود شبهات تجسس.. وأشارت وزارة الأمن الداخلى الأمريكية إلى علاقات بين مسؤولى شركات كاسبرسكى ووكالات المخابرات الروسية.
وفى الوقت الذى تتهم فيه جهات أمريكية أوروبية روسيا بمحاولات القرصنة والتدخل، تنضم منظمات أهلية وحقوقية أمريكية للحرب، حيث تبنت منظمة فريدوم هاوس الأمريكية قيام كل من روسيا والصين، بابتكار برامج للتلاعب وتوظيف لجان إلكترونية وتقول المنظمة فى تقريرها الأخير: إن عددا متزايدا من الدول بات يحذو حذو روسيا، والصين، فى التدخل فى شبكات التواصل الاجتماعى.
وتقول فريدوم هاوس فى تقريرها الأسبوع الماضى: إن 30 حكومة تلاعبت بالإنترنت فى 2017 لتشويه المعلومات الإلكترونية، وإن عمليات التلاعب هذه شملت استخدام معلقين مأجورين ومتصيدين وحسابات آلية أو مواقع إعلامية مزيفة، وتتبنى المنظمة اتهامات أجهزة أمريكية لموسكو بالقرصنة الإلكترونية والتلاعب فى الرأى العام.
يشير تقرير فريدوم هاوس إلى أن تكتيكات التلاعب والتضليل الإلكترونى لعبت دورًا مهمًا فى الانتخابات العام الماضى فى 18 بلدًا على الأقل بينها الولايات المتحدة.. حيث يتبنى الاتهامات الأمريكية، ويتجاهل الردود الروسية، التى سخرت من هذه الاتهامات.. بل واعترفت سانجا كيلى، مديرة مشروع «الحرية على الإنترنت» فى المنظمة أن عمليات التلاعب هذه يصعب رصدها.
ويخصص تقرير فريدوم هاوس جزءًا كبيرًا للهجوم على منافسى أمريكا، ويقول رئيس المنظمة مايكل إبراموفيتز: إن استخدام المعلقين المأجورين والحسابات الآلية السياسية لنشر دعاية إعلامية حكومية تم تطويره من قبل روسيا، والصين أولًا، لكنه أصبح ظاهرة عالمية الآن.
وبالرغم من أن تقرير فريدوم هاوس يتعلق بحرية الإنترنت، فهو يبدو فى جزء منه ضمن حرب القوى الناعمة، التى كسبت بها أمريكا الحرب الباردة ومنها المنظمات الحقوقية الأمريكية، التى مثلت أذرعًا سياسية لانتقاد خصوم واشنطن، وتجاهل انتهاكات حلفائها.. وبالفعل خلا التقرير الأخير من أى انتقادات لعمليات تجسس وتنصت تقوم بها أجهزة الأمن الأمريكية الداخلية ضد المواطنين داخل وخارج أمريكا، وطرد مقيمين بناء على بوستات فيس بوك.
وأصبح عصر الاتصالات يتيح أكثر رؤية انحيازات المنظمات الأمريكية ضمن حرب أصبح الآخرون يمتلكون أطرافًا من روايتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة