منذ أكثر من ثلاثة أعوام أكتب عن المنيا، مدينتى ومسقط رأسى، المنيا التى لا يعرفها أحد، يكتبون عنها مثل قصة العميان والفيل، كل من تحسس جزءا منه كتب عنه، هكذا كانت المنيا، من يتوقف أمام التطرف يكتب «إمارة الإرهاب»، ومن ينطلق من كورنيش النيل يتصور أنها «الإسكندرية» ومن يتجول فى الأحياء الراقية «أرض سلطان، شلبى، المنيا الجديدة»، يظن أنه فى مصر الجديدة والمهندسين، ومن يجلس فى كافيهاتها يعتقد أنة فى بيروت، وبعض القرى «كابول»، كل ذلك صحيح لأنها «عروس الصعيد».
من المنيا خرج فجر الضمير والتوحيد والاستنارة إخناتون والشيخان على ومصطفى عبدالرازق ود. طه حسين وهدى شعراوى ود. لويس عوض ود. نعمات أحمد فؤاد ود. عمار على حسن، وأيضا فى المقابل خرج كرم زهدى وفؤاد الدواليبى وعاصم عبدالماجد، ونشأت فيها أفكار التكفير القطبية على يد شكرى مصطفى فى أبوقرقاص منذ نهاية ستينيات القرن الماضى، وتمت إدانة جماعته التكفير والهجرة باغتيال الشيخ الذهبى، وزير الأوقاف، عام 1978م فى محاكمة عسكرية وانتهت بحكم الإعدام شنقاً لخمسة متهمين وكان منهم شكرى مصطفى.
المنيا بها 1241 قرية ونجعا والأحداث منذ سنوات تتكرر فى «42 قرية» والمنيا بها كل العصور الأثرية وغير مدرجة على خريطة السياحة!
أكبر تجمع مسيحى فى الشرق الأوسط «سكانها حوالى ستة ملايين مواطن %35 منهم مسيحيون»، وترتفع حيازات المسيحيين وثرواتهم إلى أكثر من %35 من الثروة المنياوية، بها حوالى خمسة آلاف مسجد وزاوية، و621 كنيسة، لجأ إليها السيد المسيح والعائلة المقدسة، وبها أكبر منظمات مجتمع مدنى وجامعة ومؤسسات دولية، ورغم ذلك فهى «مشتل للتطرف».
منذ 1978 وحتى الآن مرت بثلاث مراحل: 1978-1981 كانت الجماعة متسيدة الإرهاب وبعد مقتل الرئيس السادات تقهقرت الجماعة من أسيوط إلى المنيا لأن قادتها الأكثر عنفا ـ حينذاك من المنيا ـ عاصم عبدالماجد، كرم زهدى، فؤاد الدواليبى وآخرون، وتم إعادة التأسيس الثانى للجماعة فى المنيا وسيطروا عبر مسجد الرحمن بجنوب المدينة وكانوا يطبقون الحدود «عينى عينك» ويفرضون الجزية حتى 1990، لتبدأ المرحلة الثالثة من 1990 حتى المراجعات.
فى تسعينيات القرن الماضى بدأ الإخوان المسلمين يستقطبون بعض قادة الجماعة مثل محيى الدين أحمد عيسى والمهندس أبو العلا ماضى إلخ لتبدأ مرحلة الإخوان، ليظهر نجم سعد الكتاتنى ويصير نائب الدائرة، وصولا لثورة 25 يناير 2011، وتحالف الإخوان والسلفيين والجماعة وحصولهم على %80 تقريبا من الأصوات وحيازة المجرم محمد مرسى على %78 من أصوات الناخبين فى المنيا، وتوغلهم واستيلائهم على الكثير من المناصب والنقابات إلخ.
بعد فض الاعتصامات الإرهابية فى رابعة والنهضة بلغت خسائر الوطن فى المنيا %80 من محاكم وأقسام ومؤسسات الدولة، وتم التمثيل بأجساد ضباط وأفراد الشرطة فى سمالوط ومطاى، وبلغت نسبة خسائر الأقباط فى المنيا أيضا %70 من الكنائس التى حرقت ونهبت.
من 1960 وحتى 2017، (23) محافظا من عبدالفتاح فؤاد وحتى عصام البديوى، بمعدل محافظ كل سنتين، ولكن هناك أربعة محافظين استمروا خمس سنوات وهم (اللواء عبدالفتاح فؤاد، اللواء صلاح الدين إبراهيم، اللواء عبدالحميد بدوى، اللواء حسن حميدة)، وستة محافظين جلسوا سنة فأقل وهم (أحمد كامل خمسة شهور مايو- أكتوبر 1968، ويلاحظ أن التغييرات تمت ارتباطا بورقة أكتوبر1968 والفريق محمود ماهر 1968/1971 وارتبط تغييرة بما سمى ثورة التصحيح 1971، إبراهيم بغدادى من مارس وحتى مايو 1971، أقل من شهرين وكان محسوبا أيضا على ما سمى مراكز القوى، اللواء سمير سلام 2011/2012، وارتبط التغيير السريع بثورة 25 يناير وما تبعها) ود. مصطفى عيسى ارتبط تغييره بثورة 30 يونيو لأنه كان من الإخوان، وما تبقى لم يزيد عن سنتين وعدة شهور. أيضا كما واضح أن محافظة المنيا تهم الرؤساء جدا ونعرف ذلك من علاقة التعيين والتغييرات لمن تم إقصاؤهم بثورات (ورقة أكتوبر 1968 وثورة التصحيح 1971، وانتفاضة يناير 1977، وثورة 25 يناير 2011، وثورة 30 يونيو). أى أن محافظى المنيا من القيادات المهمة دائما، وليس أدل على ذلك من أن كل حدث كبير منذ 1968 وحتى الآن يتم إقصاء محافظ دون أن يكمل العام، وبعضهم تم سجنه، كما أن المحافظة محل اهتمام أمنى، ورغم اهتمام الدولة بالمنيا فهى متأخرة فى معدلات التنمية، وتكاد تكون بلا صناعة، والجامعة لم تقدم تنويرا حتى الآن بل خرج من بين صفوفها كرم زهدى وعاصم عبدالماجد وصولا للكتاتنى.
محافظ المنيا الحالى اللواء عصام البديوى، رجل أمن من طراز لا يتوافق مع تركيبة الأجيال الأمنية الجديدة، سياسى، هادئ، متزن، يستوعبك بكل مهارات أجيال المؤسسين لأمن الدولة، يسير المحافظ على حبل مشدود ما بين المدرسة الجديدة للأمن التى لا تعرف مكونات السياسة وبين افتقاد رؤية تلك الأجيال للمكون المسيحى فى النسيج الوطنى للمنيا، ومن ثم يتحامل البعض على المحافظ، ورغم الخلاف فى وجهات النظر بين اللواء عصام البديوى والأنبا مكاريوس، فإنهما يمدحان بعضهما البعض، الأسقف يرى فى الجنرال النبل، والجنرال يوصف الأسقف بالحكيم، وما عليك إلا أن تنقب خلف النوايا لتعرف أن بريق عينى الأسقف والجنرال تشعان بوطنية تتوارى فى زمن اجتياح «هبوب الصحراء» للأجيال الجديدة من بعض رجال الأمن والإدارة المحلية.