هو رجل عادى، وهنا تكمن العبقرية، ليس وسيما كما يفترض فى نجم جماهيرى، وليس من أصحاب العضلات المفتولة والقوام الرشيق، وإن سألته عن «فورة الساحل» التى يجتهد الشباب فى نحتها كل عام لظن أنها أكلة ساحلية مثل البكلاويظ والسريديا واللوجز، أما ملامحه فهى النموذج الحى لملامح «ابن الشقا» تراها فى الشارع متجسدة فى موظف يلهث وراء الأتوبيس، أو فى بائع «الحلبسة» الذى يعافر من أجل تسليك الباجور ليحافظ على مشروبه ساخنا، وتراه فى «كمسارى» هيئة النقل العام الذى يداعب الأطفال و«يناغش» السيدات ويشاكس كبار السن، ابن شقاء بحق، لم يعرف الراحة أو الخمول، لكنه يعرف تماما أن أكل العيش «مر» وأن الدنيا «مش مستاهلة»، وأنه لا يبقى إلا «السيرة العطرة» و«الصحبة الحلوة»
فجأة أصبح هذا «الشقى» «بيومى فؤاد» ملء السمع والبصر، تحول ذات رمضان إلى نجم نجوم مصر، يتهافت الجميع على مشاركته فى هذا المسلسل أو ذاك، يتابعه الجمهور بلا ملل أو تأفف برغم تعدد الأدوار التى يؤديها واختلافها، وهو يجيد فى كل ما يفعل، لكن ما لم يدركه البعض أن وراء هذا النجاح المدوى، قصة كبيرة من الشقاء التى لم يلحظها أحد سواه، ولم يعان منها أحد سواه أيضا.
فى لقائه بجامعة عين شمس، قابل هذا النجم الكبير شبابا فى مقتبل العمر، وبحسب الخبر الذى كتبه الزميل محمود راغب والمنشور أمس فى «اليوم السابع»، قال بيومى فؤاد إنه لم يتعاطف مع شباب الهجرة غير الشرعية أبدا «لو هتموت موت فى بلدك أحسن» و«لو عاوز تسافر احسبها صح ومفيش حد فى بلدنا بيموت من الجوع» وفى لمحة خاطفة مستعرضا ما كان يمر به من أزمات قال فؤاد: «أقسم بالله كنت ببيع دهب مراتى علشان ناكل».
موظف إدارة الترميم فى وزارة الثقافة الذى قضى عمره كله فى إخفاء ما تعانيه اللوحات من ضرر، لم يتجمل ولم يستخدم موهبته أو مقدرته فى تزيين العيوب، ولم يجد حرجا فى أن يقول الحقيقة كاملة لشباب فى عمر أبنائه، وهو بذلك لم يضرب لهم مثلا حيا على أهمية الإيمان بالوطن والعمل فيه فحسب، لكنه ضرب لهم أيضا مثالا حيا لما يمكن أن يمر به الفنان من أزمات كفيلة بالقضاء على أى حلم، لكنه تمسك بحلمه وعافر من أجل إنعاشه يوما بعد يوم، فأصبح هذا «الشقيان» قدوة يقتدى بها، ومثالا حيا على «القابض على الحلم».