هى لوحة على أى حال، ليست مرسومة بماء الذهب، ولم يرصعها راسمها بالياقوت والماس، ولم تحفظ فى صندوق من ذهب خالص أو حتى فضة، لوحة والسلام، لكن العالم كله كان ينظر إليها بمزيد من الإعجاب، بل لا أبالغ إذا قلت إن جميع المهتمين بالفن فى العالم كله حبسوا أنفاسهم، حينما كانت دار كريستى للمزادات بلندن تجرى مزاد بيعها، ومع طرق المطرقة الشهيرة للمزاد، تنفس العالم الصعداء، والمبلغ الذى بيعت به اللوحة هو 450 مليون دولار أمريكى أى كما يقارب الـ8 مليارات جنيه مصرى، فهل الذين اشتروا هذه اللوحة بهذا المبلغ مجرد «مجانين»؟
الإجابة هى لا بالطبع، فمن يمتلك هذا المبلغ بلا شك عاقل، وإلا كيف امتلكه وكيف حافظ عليه، وشراء لوحة لليوناردو دافنشى أكبر وأهم فنانى عصر النهضة ليست بالأمر الهين، ولك أن تعرف أن متحف اللوفر الذى يزوره ما يقرب من 7.5 مليون شخص سنويا لا يفتخر بشىء بقدر افتخاره باحتوائه على لوحة الموناليزا لذات الفنان، وببساطة فإن متوسط ما ينفقه الفرد الذى يذهب إلى اللوفر ليرى هذه اللوحة لا يقل بأى حال من الأحوال عن 100 يورو، ما يعنى أننا لو حسبنا الأمر بالقيمة التجارية فحسب، فسنتأكد من أن شراء لوحة- هى الأخيرة لليوناردو دافنشى- بهذا المبلغ الكبير استثمار كبير من الممكن أن يدر عائدا يفوق ثمنه بكثير فى سنوات معدودات، ويبقى بعد هذا العمل نفسه الذى لا يقدر بثمن بل يعتبر من أهم وأكبر مخازن القيمة فى العالم الآن.
ليس سرا أيضا أن أقول إن العديد من الشركات الكبرى والبنوك العالمية انتهجت مؤخرا ذات النهج، وأصبحت تستثمر فى شراء اللوحات الفنية بشكل كبير، ومصر للأسف كانت قد بدأت فى هذا الأمر قبل 25 يناير 2011، لكن ما حدث بعد هذا التاريخ عطل هذه المشاريع، ومن المحتمل أن يعود هذا الفرع من الاستثمار الحديث إلى الواجهة بعد استقرار الأمور الاقتصادية فى القريب، فلم يعد الاحتياطى النقدى عبارة عن أموال مكدسة، أو سبائك ذهبية أو فصوص من الألماس فحسب، فهذه أموال فقط، أما اللوحات الفنية فهى أموال وجاه وثقافة تحضر، وهى أمور تتمناه أية دولة عاقلة.