بداية، أنا ضد كل المتشددين سواء التكفيريين من قيادات وأعضاء الجماعات والتنظيمات المتطرفة، أو المتشددين من أصحاب العمامات البيضاء والسوداء، وأيضا ضد إسلام بحيرى ويوسف زيدان، وكل مسخف ومسفه من الدين تحت أى مسمى.
وهذه المقدمة، الهدف منها التأكيد على إيمانى المطلق بأن الدين الإسلامى، يسر وليس عسر، ولا يعترف بالكهنوت، ويمنع تقديس الأفراد، لذلك فإن الحملة الضروس التى تتعرض لها الكاتبة الوطنية فريدة الشوباشى، مثيرة للدهشة، لمجرد أنها انتقدت الشيخ محمد متولى الشعراوى، عندما سجد فرحا فى هزيمة مصر عام 1967، وكأنها أخطأت فى الذات الإلهية، حيث خرج المتربصون من خفافيش الظلام من أوكارهم فى حملة اغتيال معنوى لفريدة الشوباشى، لتكون عبرة لأمثالها من التنويريين الوطنيين.
والحقيقة أن الشيخ محمد متولى الشعراوى، ما هو إلا عالم وفقيه فى العلوم الشرعية، اجتهد وأصاب كثيرا، وأخفق قليلا، وكان يثق فى علمه كثير من المسلمين فى مصر وبعض الدول العربية والإسلامية، وأن مصطلح رجل الدين الذى يطلقه البعض عليه وعلى كل من يرتدى عمامة بيضاء، محض افتراء فلا يوجد فى الدين الإسلامى ما يسمى برجال الدين، لأنه لا وساطة فى الإسلام بين العبد وربه، ماذا وإلا فكيف يحق للدعاة من فوق المنابر المختلفة، مهاجمة الأديان الأخرى، واتهامها بأن أتباعها يقدسون الكهنوت، ويتفاخرون بأن الدين الإسلامى لا يعترف بالكهنوت؟!
الحقيقة أن مصطلح «رجال الدين والمشايخ» ما هو إلا عين الكهنوت ذاته، منصبين أنفسهم حراسا على العقيدة وعلى الكتب المقدسة، ومفتشين فيما تخفيه الصدور من نوايا، وجعلوا من أنفسهم قدسية أسمى وأرقى من بقية خلق الله، ومن ثم فإنهم محصنون ضد النقد والمحاسبة!
ومصطلح «الكاهن» مشتق من كلمة «كوهين» باللغة العبرية، وتعنى المنبئ بأمر الرب، ويتمتع بمنزلة الأنبياء والرسل، ويحصل على امتيازات ضخمة توازى إن لم تكن تتفوق، مع ما يتمتع به الأنبياء، فالكاهن عند اليهود، مؤتمن على الشريعة وله صلاحية تقديم القرابين والذبائح إلى الله للتكفير والتوبة وإزاحة خطايا الشعب.
أما الكاهن فى المسيحية فهو رجل الدين المختار من الله، والمسؤول عن خدمة الأسرار المقدسة، وحسب رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين فى تعريف الكاهن يقول : «وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا».
هذا هو الكهنوت، ببساطة شديدة، سواء فى اليهودية أو المسيحية، ومن خلال الهجوم الجارف والخناجر والسيوف التى حملها المتشددون والمتطرفون لقتل الكاتبة الكبيرة فريدة الشوباشى لمجرد أنها انتقدت الشيخ الشعراوى فى موقف وطنى، بعيدا عن الدين، إنما يؤكد أن التربة المصرية حُبلى بالتشدد والتطرف، وصناعة الكهنوت فى الإسلام، واستحداث مصطلحات رجال الدين على كل من يعتلى المنابر فى المساجد ليدلى بدلوه فى العلوم الشرعية والفقهية، وجعل هؤلاء حراسا على العقيدة ومفتشين فى صدور العباد لمعرفة نواياهم، ومنح مفاتيح دخول الجنة لمن يشاءون، ومفاتيح النار لمعارضيهم ومنتقديهم!!
الشيخ الشعراوى اعترف فى حوار مع الإعلامى طارق حبيب، وأذيع على قنوات التليفزيون المصرى الرسمى، بأنه سجد مرتين بنفس شعور الفرحة، الأولى فرحا بهزيمة مصر عام 1967، أو ما يطلق عليها النكسة، وكان حينها موجودا فى دولة الجزائر الشقيقة، تحت زعم أن مصر كانت فى حضن الشيوعية الكافرة، ولو مصر انتصرت حينها وهى فى حضن الشيوعية لحدثت فتنة كبرى، أما السجدة الثانية فكانت فرحا بانتصار 6 أكتوبر 1973، وكان حينها موجودا فى المملكة العربية السعودية، واعتبرها نصرا عظيما، لأن أبطال الجيش المصرى أثناء عبورهم القناة وتحطيم خط بارليف كانوا يهتفون الله أكبر.
وأى إنسان عاقل، متدين كان، أو عاصى، لابد أن يقف كثيرا أمام تصريحات الشيخ محمد متولى الشعراوى، فيما يتعلق بسجدة الشكر امتنانا بهزيمة بلاده، فى نكسة هى الأصعب فى تاريخ مصر عبر عصوره المختلفة، مهما كانت المبررات، فلا يعقل أن علاقة مصر بالاتحاد السوفيتى حينها، وهو رمز الشيوعية، تدفع أى مصرى أن يحتفل ويخر ساجدا فرحا فى هزيمة وطنه لمجرد مخاوف وهمية من إمكانية انتشار الشيوعية فى مصر!!
بجانب أيضا أن الشيخ الشعراوى سجد شاكرا فرحا بانتصار أكتوبر، لأن الجنود والضباط هتفوا الله أكبر، وهو أمر رائع، ولكن نسأل بعيدا عن ديننا الحنيف والعظيم، لو لم يهتف جنود وضباط جيش مصر البواسل، الله أكبر، أثناء عبورهم الحاجز المائى الصعب، وتحطيم خط بارليف الأهم، وانتصرت مصر ما كان الشعراوى أن يسجد لله شكرا لانتصار وطنه على ألد أعدائها إسرائيل؟!
الحقيقة الأمر زاد عن الحد، وأصبح مسألة التكفير الدينى والسياسى، أمرا عاديا، ومنتشرا انتشار النار فى الهشيم، وتحول كل دارس للعلوم الشرعية والفقهية إلى رجال دين وأضفوا على أنفسهم حصانة الكهنوت الموجودة فى اليهودية والمسيحية، وأنهم وسطاء بين الله والعباد، وأنهم فوق النقد والمحاسبة!!
إذن فلترجموا فريدة الشوباشى بالحجارة.. وكفروا كل من ينتقد الشعراوى أو حتى عاصم عبدالماجد ووجدى غنيم أو إسلام البحيرى وعمرو خالد وعباس شومان!!
ولك الله يا مصر.!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة