صدرت فى الأيام الماضية أربعة قوائم تضم أسماء عدد من العلماء والأئمة متخصصين وغير متخصصين!، وذلك للتصدى للإفتاء بوسائل الإعلام، وأعلن الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، عن إصدار قائمة تنقسم إلى قائمتين إحداهما تابعة لمشيخة الأزهر والأخرى لدار الإفتاء، ضمت قائمة المشيخة 31 اسما، وقائمة دار الإفتاء 19 اسمًا.
وكان الهدف من تلك القوائم هو السيطرة على الفتاوى الشاذة التى صدرت من بعض منتسبى المنهج الأزهرى، بالإضافة إلى اتباع التيار السلفى، الذين اصدروا العديد من الفتاوى التى أثارت جدلا واسعا، كان الاولى إلزام الفضائيات والصحف بعدم استضافة هؤلاء المثيرين للجدل، لكن الامر اتخذ منحى آخر فى بدايته كان جيدا لكنه سرعان ما انقلب إلى مجاملات ومكايدة.
"أخطاء بعض المنتسبين للمنهج ليس حجة على المنهج"، هكذا قال العلماء الثقات، ويعنى أن اخطاء بعض المنتسبين للأزهر ليس ضرورة أن يكون هو منهج الأزهر أو أن يتخذ حجة على منهج الأزهر الذى عرف بوسطيته واعتداله.
بعد إصدار ما عرف بقائمة الخمسين والتى أعلن عنها الأزهر وتضم علماء يطمئن لهم فيما يخص الفتوى بالإضافة إلى علماء دار الإفتاء، حدثت حالة من الجدل لغياب بعض الأسماء عن تلك القائمة، معتبرين غيابهم إما مكايدة أو تجاهل عن عمد، غافلين منهج الأزهر فى احترامه للتخصص وأن الفتوى لها متخصصين فليس كل أزهرى يستطيع أو يحق له التصدر للإفتاء، حيث إن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فى مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، اقترح بقسم خاص للفتوى بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، الهدف منه تخريج متخصصين بعلم الفتوى.
فى اليوم الثانى للإعلان عن ما عرف بقائمة الأزهر، سارعت وزارة الأوقاف بإصدار قائمتين!، ضمت عددا من الأسماء التى غابت عن قائمة الأزهر وأحدثت حالة من الجدل، كما ضمت قائمة الأوقاف عددا من مجلس النواب، وانقسمت القائمتين إلى قائمة خاصة بالبرامج العامة وأخرى خاصة بالبرامج العامة والإفتاء.
لاشك أن تعدد إصدار القوائم انحرفت عن المسار الصحيح لضبط الفتوى بدلا من ضبطها، فقائمة الأوقاف والأزهر والإفتاء ضمت 186 اسما، والمتابع فإن حوالى 10%، ممن احتوتهم القوائم الأربعة هم الذين يظهرون على شاشات الفضائيات والصحف، وإن كان الهدف من إصدار تلك القوائم التى ضمت أسماء كثيرة هو منع أو سد الباب أمام أصحاب الآراء الشاذة، فكان من باب أولى إصدار قائمة بأسماء من تراهم المؤسسة الدينية لا يصلحون للفتوى، بدلا من "مولد" القوائم خاصة وأن الأوقاف والأزهر أعلنوا عن مزيد من القوائم سيتم إصدارها فى الأيام القادمة، وذلك بعد أن أعلن بعض الدعاة الذين يملأون الساحة الإعلامية غضبهم من عدم إدراج أسمائهم بتلك القوائم، وكأن من يدرج اسمه بها سيكون قد حصل على "صك" الإفتاء.
وانحرف الأمر عن مساره الصحيح فى ضبط الفتوى، فبعد أن كان الحديث عن منع اتباع التيار السلفى من إصدار الفتوى، أصبح الأمر هو المسارعة ومحاولة أن ينضم إلى تلك القوائم، بالتأكيد أن العلم ليس مقصور على خريجى الأزهر، فالإسلام لم يحتكره الأزهريون، ولكن لكل مرحلة ظروف تحتم علينا اتخاذ اجراءات حتى لا يفتن الناس فى دينهم، خاصة بعض أن ظهر الرويبضة الذين يتحدثون فى الدين بجهل.
الحل ليس فى القوائم بل فى تشريع يضبط العملية الافتائية، وهذا أيضا يحتاج إلى حكمة فيما ينص عليه هذا القانون المزمع إصداره قريبا، ولابد أن يعلم الذين غضبوا من عدم إدراج أسمائهم بتلك القوائم أن يعلموا أنه ليس عليهم أى ضرر فى مواصلة الحديث فى الفتوى حتى الآن، لكن قد يكونوا عما قريب ممنوعين من إصدار الفتاوى بحكم القانون!.
المؤسسات الدينية بدأت فى إصدار البيانات لتوضح أن إصدار القوائم لا يحمل أى نوع من المكايدة بين الأزهر والأوقاف، وهى تصريحات غالبا غير حقيقية، لكن بالتأكيد أن الاتفاق على توجيه الإعلام بعدم فتح المجال لبعض الذين أثاروا الجدل بفتاوى أثارت الرأى العام، أفضل من مولد القوائم الذى نعيشه الآن.
وقال الكاتب الدكتور والباحث عمار على حسن، سنظل مجتمعا متخلفا طالما إننا نعتقد أن كل تفاصيل حياتنا الصغيرة يجب أن ينحى العقل فيها جانبا ونبحث عن رأى الدين فى الوقت الذى لا ندرك الكليات الاساسية التى يركز عليها الدين وهى السمو الأخلاقى والنفع العام أو الخيرية، فمسألة وضع قوائم للفتوى والمنافسة بين الأزهر والأوقاف وغيرهما هو مظهر من مظاهر التخلف الاجتماعى الذى نعانى منه لأن الفتوى تحولت إلى تجارة والى دعاية سياسية وأيضا إلى محاولة من المؤسسة الدينية إلى التمكن التام من المجتمع، نحن لسنا فى حاجة إلى زيادة الجرعة الدينية وإن احتجناها لا نحتاجها فى التفاصيل الصغيرة التى يفتى فيها الشيوخ إنما فى الأسس والمقاصد الرئيسية التى يفرضها الدين ونحتاج أكثر إلى شيوع التفكير العلمى فى مجتمعاتنا حتى نخرج من تخلفنا.
وأضاف فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن مسألة تحديد أسماء للفتوى مسألة مرفوضة جملة وتفصيلا لأن هذه الأسماء قاطعا ستدخل فيها المحاباة وليس بالضرورة أن من يريدون فيها هم الأكثر علما، إنما يترك الناس يقولون ما يشاءون والفيصل بين هؤلاء وذاك هو القانون، يوضع قانون محكم وجيد فى هذا الإطار بحيث أى شخص يفتى بغريب أو شاذ أو يحرض على عنف أو قتل أو تخريب يقدم مباشرة إلى القضاء، مثل هذا الأمر سيخلق انضباطا أفضل من مسألة وضع قوائم للذين سيظهرون فى الإعلان لأن هنا لن تكون المنافسة على الأفضل علما بقدر ما تكون المنافسة على الشخص الذى ترضى عنه المؤسسة الرسمية كى يتحدث فى الدين إلى الناس، وهنا سيتم تكريس مبدأ الشهرة والتجارة حيث يفترض أن رجل الدين يتورع عنهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة