وإذا كانت الدول الكبرى مثل امريكا وبريطانيا وروسيا والصين، تتصارع بالصور وتتبادل الاتهامات بالتدخل فى تشكيل الرأى العام، فمن الطبيعى ان تفرض حروب عصر العولمة نفسها و تغير من أشكال الصراعات . ثم أن الحرب الدعائية هى انعكاس لصراع على النفوذ والثروات والفرص والمصالح.
وبالرغم من أن كل دولة تته خصومها بتوظيف قراصنة ولجانا إليكترونية فضلا عن توظيف المنصات الاعلامية ومنها الفضائيات والمواقع الإخبارية. وبينما تتهم بعض المؤسسات الأمريكية مثل وزارة العدل وأجهزة الأمن روسيا بتوظيف روسيا اليوم وسبوتنيك فى الحرب الإعلامية، تشير روسيا الى قنوات ومحطات فضائية امريكية شهيرة ومنها "سى إن إن" بالتلاعب ونشر تقارير معدلة وموجهة. فيما يتعلق بتحركات روسيا. ونفس الأمر بالنسبة للمنصات البريطانية.
وبالتالى فإن الحديث عن الصراعات الإعلامية والتدخلات المعلوماتية والتضليل ليست خيالا كلها لكنها واقع فى عصر المعلومات .وبالتالى فإن الدول الطامحة عليها أن تعى هذه التفاصيل، والمعطيات التى تدور فى عالم يبدو متصلا بشكل كبير، ويقوم على التسويق الاقتصادى والسياسى. وطبيعى أن يكون الشرق الأوسط والوطن العربى جزءا من جبهات هذه الحروب.
وبالتالى فإن امتلاك دول عربية لمنصات اعلامية وقنوات إخبارية ومواقع تعمل بقواعد مهنية أمر تفرضه تطورات عولمة الإعلام والسياسة. ولايكفى هنا الشكوى من تلاعب إعلامى، او هجمات من هنا وهناك.
بينما يفترض ان تسعى الدول لامتلاك منصات إعلامية تكون قادرة على تقديم تغطية محلية تجذب الجمهور، وأيضا تستطيع مخاطبة الآخر . ولعل تجربة قنوات روسيا اليوم تمثل مثالا ناجحا على قدرات روسيا الإعلامية ، فقد انطلقت القناة وخلال عشر سنوات اصبحت منصة اعلامية قادرة على إثارة القلق داخل الولايات المتحدة وبريطانيا. وهى دول تمتلك امكانات إعلامية ضخمة وعريقة. لكنها لاتبدو كافية فى ظل هذا الصراع.
وإذا كان هذا هو حال الدول الكبرى، فمن الطبيعى أن ننشغل بحال مانملكه من إمكانات إعلامية، ونعيد النظر فى حجم مانقدمه للجمهور، وهناك اتهامات مشرعة من كل الأطراف تجاه أدواتنا من القوة الناعمة.
ليس فقط فى مجال الإعلام، لكن فى مجالات أخرى، منها السينما والثقافة. حيث تعانى مصر من تراجع كمى وكيفى فى منتجاتها من السينما، والتى مثلت فى وقت من الأوقات المصدر الثانى للدخل القومى، فضلا عن كونها قدمت اللهجة والثقافة المصرية الى العالم العربى. وكانت المهرجانات ومعارض الكتاب المصرية حدثا ثقافيا اقليميا مهما.
صحيح أن لدينا اليوم اكثر من مهرجان سينمائى وفنى، لكنها تبدو بالرغم من الجهد المبذول فيها اقل مما كان فى الماضى القريب. والأمر ليس فقط فى الشكل، لكن فيما يمكن أن يقدمه الفن المصرى للمحيط العربى، وللعالم.
أما عن الإعلام فهو ليس فقط محطات فضائية ولدينا منها الكثير، لكن فى الفجوة التى تبدو واضحة، وعلى سبيل المثال لاتوجد لدينا ولا قناة واحد تقدم المنتج الوثائقى، وقد اشرت من قبل الى أن محطات عربية تقدم وثائقيات عن المجتمع والسياسة فى مصر، بشكل موجه وأحيانا يفتقد الى الموضوعية، ولا يمكن لوم هؤلاء، بقدر ما يفترض أن نلوم أنفسنا.ونحن نمتلك إمكانات، وأدوات وخبرات، يمكن ان تقدم صورة أفضل فى عالم مزدحم بالصراعات.