قديمًا قالوا الجوع كافر، والجوع لا يرتبط فقط بالطعام، فكل جوع لشىء وحرمان منه هو إحساس كافر مقيت، يُشعر الإنسان بعجز وقهر، وهذا الإحساس كما قلت قد يرتبط بالبطون، ولكنه أيضًا مرتبط بالعقول والوجدان، فالفنان الذى لا يمارس فنه يشعر بالجوع أى إن كان هذا الفن، موسيقى، رسم، تمثيل، فكم من مرات سمعنا كبار ممثلينا على مدى التاريخ يقولون بأنهم يتمنون الموت على خشبة المسرح أو أمام كاميرات وذلك حتى لا يشعروا بالجوع، فجوعهم كافر أيضًا.
على مسرح ميامى فى وسط مدينة القاهرة، حيث كانت تقف على خشبته فى يوم ما العظيمة تحية كاريوكا وفرقتها، تُعرض حاليًا مسرحية تابعة للدولة بشكل صامت بلا دعاية أو إعلان، مسرحية سيلفى مع الموت، لممثلة جائعة تمثيل وهى نشوى مصطفى.
مونودراما أى مسرحية لا تضم إلا ممثلا واحدا، كتبتها فى تجربتها الأولى فى الكتابة نشوى مصطفى وتمثلها بعد غياب طويل عن التمثيل.
نشوى مصطفى ممثلة موهوبة لها مسيرة طويلة مع مهنتها، ولكنها ككثير من الموهوبين لم تجيد إدارة تلك الموهبة، وقد يكون افتقاد إدارة الموهبة أحيانًا فى حالة الممثل ذنبه الكامل كحالة محمد سعد مثلًا، وفى حالات أخرى يكون الذنب منقسما بين الممثل الموهوب ذاته والحظ، ونشوى مصطفى تمثل هذه الحالة، فهى أخطأت يوم قررت أن تربط نفسها بالكوميديا وهى ممثلة أقوى فى غير الكوميديا، فتاهت.. ثم قدمت منذ سنوات برنامج للمقالب كالكاميرا الخفية، وكان جيد الفكرة والتنفيذ، ولكن للأسف ربما ربطها هذا الأمر ببرامج المقالب فصارت ضيفة دائمة فى أغلب تلك البرامج سيأها وجيدها.. وتاهت الموهبة ولم تجد من يعيد اكتشافها لأن قليلا من صناع الفن الآن من يرهق نفسه فى اكتشاف الجديد، فما بالنا بإعادة اكتشاف وجه ليس بجديد.. فتاهت الموهبة..
ولكنها ظهرت من جديد على المسرح لتمثل شخصية شديدة التعقيد فهى تناقش حياتنا وتناقضاتنا وأحزاننا من خلال امرأة تواجه الموت أو قد تكون ميتة وتناقش وهى فى البرزخ ملك الموت حول الحياة..
نص مكتوب بقلم نشوى مصطفى يحمل لمحات من السخرية والحكمة والحزن فيمنح الممثلة نشوى مصطفى فرصة هائلة من التنوع فى الأداء والصعود والهبوط بين الفرح والحزن، وهو بالتأكيد نص صعب الأداء فالمونودراما نوع من المسرح لا يستطيع أداءه إلا ممثل راسخ، وإخراجه يستدعى حرفية، والسينوغرافيا لا يمكن إغفال إضافتها قيمة للعرض، وبرغم ضعف إمكانيات المسرح إلا أن النتيجة شديدة التميز ولولا سوء الإضاءة لقلت إنه عرض بلا خطأ.
وبعيدًا عن العرض وبطلته فإن المسرح الذى يتم العرض عليه يقع فى ممر فى وسط البلد يسبقه كباريه درجة عاشرة بكل ما يحمل من تفاصيل تكاد تشبه كباريهات أفلام الأسود وأبيض، وهى مفارقة محزنة أن يكون مدخل مسرح تابع للدولة هو ذاته مدخل كباريه، فالمسرح مفروض أنه غذاء للروح والعقل، والكباريه غذاء لأشياء أخرى، فكيف يجتمع غذاء العقل مع الأشياء الأخرى فى ممر واحد ضيق!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة