بمناسبة ذكرى هدم جدار برلين فى 1989 وما يحمله من معانٍ ودلالات لا تنتهى، عدت مرة أخرى لمشاهدة الفيلم الألمانى البديع «وداعا لينين» وقراءته مرة أخرى.
جميعنا يعرف أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية على «وشك الموت» خسرت كل شىء وصارت بعد مؤتمر «يالتا» واقعة تحت احتلال المنتصرين أمريكا والاتحاد السوفييتى وفرنسا وإنجلترا، وبالتالى تنقسم إلى 4 مناطق، لكن على مستوى الفكر كانت تنقسم إلى قسمين فقط، أمريكا وفرنسا وبريطانيا فى جهة بأفكارها المتقاربة القائمة على الرأسمالية، والاتحاد السوفيتى بأفكاره اليسارية فى جهة أخرى، وترتب على ذلك الانقسام الفكرى انقسام «شكلى»، لذا فى بداية ستينيات القرن نشأ جدار كبير يقسم برلين قسمين، وبالتالى صنع ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية.
لكن ولأن الشعوب التى ترى مستقبلها تتعلم من التجارب، فإن ألمانيا لم تعشق دور الضحية وفى أقل من 30 عاما كان هذا الجدار قد انتهى تماما وتحطم، وذلك إعلان حقيقى عن إرادة قوية تتحرك للأمام.
المهم أن فيلم وداعا لينين الذى تم إنتاجه سنة 2003 وترشح لعدد من الجوائز المهمة، منها الجولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبى، يحفل بجانب حسه الكوميدى إلى طرح الكثير من القضايا، منها، أن تحطيم الجدار لم يكن من أجل الناس الذين يعيشون خلفه فى ألمانيا الشرقية الاشتراكية، لكن من أجل أن الشركات العالمية تبحث عن سوق جديدة لتوزيع منتجاتها، هذه الشركات تمثل فى أحد صورها التفوق الأمريكى على الروس.
يقول الفيلم إن «الأم» التى ظلت طوال حياتها تعيش فى ألمانيا الشرقية، بينما غادرها زوجها إلى الرفاهية فى ألمانيا الغربية، لم تتحمل التغيرات التى وقعت مثل أن تشاهد إعلان «مياه غازية» من غرفتها فى المستشفى، فقط عاشت تدافع عن ذلك «الشبح» الذى كانت تصدقه فى وقت ما «الشيوعية»، وأعلنت حالتها أنها لن تتقبل التغيرات التى حدثت بسهولة، لذا كان على ابنها أن يتعامل معها بكل رفق الدنيا، ويحاول ألا تصاب بصدمة أن لينين انتهى وأن الزمن الجديد أطاح بكل تاريخها الجميل والسيئ فى الوقت نفسه.
الفيلم رغم أن المخرج يتبنى وجهة نظر ضد التوغل الغربى، وأنا أتفق معه فى هذه النقطة، لكنه فى الوقت نفسه أكد أن سبب ما حدث هو ضعف الجانب الشرقى الذى ظل يكرر نفس طريقته فى الحياة دون تجديد بينما العالم يمتلئ بالوسائل الجديدة القادرة على تغيير الناس، كان الروس ومن اتبعهم من الألمان لا يهتمون سوى بالانتماء للحزب وحضور الندوات الداعمة للاشتراكية، والحياة بأقل الوسائل، وعدم تحسين وضع الفرد، لذا اجتاحها الغرب بشكل عنيف ودمر الهوية والخصوصية.
ربما ما أقلقنى هو أننى أعرف أننا نفكر بالطريقة نفسها، نقيم سورا كبيرا، ولا نهتم بأن الآخرين يتحركون للأمام، وأنهم يزدادون قوة، ونؤكد فقط أننا نرفض ذلك الأمام، دون أن نصنع أماما يخصنا، وبالتالى فى النهاية يسقط الجميع مثلما سقط لينين.