ما إن تلامس يداك الراديو فى كل صباح وتصل لإذاعة القرآن الكريم، تنتظر إطلالة صوت الكروان الشجى وأشهر قارئ فى جمهورية مصر العربية ابن محافظة الأقصر الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، للدخول فى روحانيات التلاوة والحنجرة الذهبية التى ملآت العالم العربى وانطلقت من المسجد الحرام والمسجد النوبى والمسجد الأقصى، والذى تحل فى 30 نوفمبر الحالى ذكرى وفاته الـ29 ويحتفل بصوته العذب الجميع كل صباح ومساء، والذى ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، رواه مسلم.
وبالفعل ينطبق الحديث النبوى على القارئ الأشهر فى مصر والعالم العربى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والذى ترك ميراث كبير لمختلف الأجيال الماضية والحالية والمقبلة بمصر ومختلف دول العالم الإسلامى، بصدقة جارية تتمثل فى كتاب الله وتلاواته المميزة بمختلف المحافل المحلية والدولية، وعلم ينتفع به وهو حفظ القرآن والقراءات المميزة التى مازالت منتشرة بمختلف منازل مصر والعالم، وولد صالح يدعو له حيث خلف الشيخ عبد الباسط بعد وفاته نجوم فى عالم القرآن والتلاوة وهم للواء المقرئ طارق عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ ياسر عبد الباسط.
وصل إلى الدنيا أشهر قارئ فى مصر والعالم العربى عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة الأقصر، وذلك وسط عائلة تحفظ القرآن الكريم، فقد كان جده الشيخ عبدالصمد من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، وكذلك والده الشيخ محمد عبدالصمد كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظا وتجويدأ، وله شقيقين "محمود وعبد الحميد" وهما كانا يحفظان القرآن أيضاً وبدأ الشقيق الأصغر عبدالباسط محمد عبد الصمد فى حفظ القرآن وهو بسن السادسة ثم أتم الحفظ فى سن العاشرة وذلك داخل كتاب الشيخ الأمير الشهير بأرمنت وقتها.
وكان القدر يسير جنباً إلى جنب مع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حيث أن والدة الذى كان موظف بوزارة الإتصالات يخطط لسفره إلى الشيخ محمد سليم بمدينة طنط، لتلقى على يده علوم القرآن والقراءات لشهرته الكبيرة آنذاك، وقبل السفر بأيام قليلة، فوجئوا بقدوم الشيخ محمد سليم لمدينة أرمنت ليعمل فيها مدرس للقراءات بالمعهد الدينى بأرمنت، فذهب إليه وراجع عليه القرآن كاملاً، ثم حفظ الشاطبية التى هى المتن الخاص بعلم القراءات السبع على يديه، وبعد وصوله لسن 12 سنة، تهافت الجميع عليه بمدن وقرى المحافظة ليقرأ فى المناسبات الخاصة بهم، وذلك بتزكية من الشيخ محمد سليم الذى زكّى الشيخ عبدالباسط فى كل مكان يذهب إليه.
ولدى بلوغ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد سن 23 سنة توجه للقاهرة برفقة أقاربه بأرمنت لحضور مولد السيدة زينب بعام 1950، وكان يحييه كبار القراء المشاهير وهم "عبد الفتاح الشعشاعى والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ أبوالعينين شعيشع"، وغيرهم من كوكبة قراء الرعيل الأول بالإذاعة، وخلال الحفل إستأذن أحد أقارب الشيخ عبدالباسط أن يقدم لهم هذا الفتى الموهوب ليقرأ عشر دقائق فأذن له، وبدأ فى التلاوة وسط جموع غفيرة وكانت التلاوة من سورة الأحزاب، وعم الصمت أرجاء المسجد واتجهت الأنظار إلى القارىء الصغير الذى تجرأ وجلس مكان كبار القراء، وهلل الجميع بهتافات الله أكبر ربنا يفتح عليك، وتركوه يقرأ لمدة نصف ساعة كاملة، وكانت تلك الخطة أولى طريق الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لدخول عالم العاصمة، حيث طلب منه فى العام التالى الشيخ الضباع أحد مشايخ عبد الشاب عبد الباسط عبد الصمد وقتها، ولكنه تخوف من فكرة ترك العائلة او انتقالها للقاهرة وأنها تحتاج لترتيبات كبيرة.
فقام الشيخ الضباع الذى كان بحوزته تسجيل لتلاوة الشيخ عبدالباسط بمولد السيدة زينب، وقدمه للجنة الإذاعة التى أبدت إعجابها الشديد بصوته وقوة تلاوته، وتم اعتماده رسمياً فى نهاية عام 1951 ليسطع نجمه بالإذاعة القرآنية الأولى بالعالم العربي، وانتقل بالفعل الشيخ عبد الباسط بأسرته إلى أقرب مكان لقلبه وهو حى السيدة زينب، وشهد أول عام لتواجده بإذاعة القرآن الكريم إقبالاً كبيراً على سماع صوته بمختلف أنحاء الجمهورية فى حفلات الإذاعة، وبالفعل ذات صيته بمصر والعالم الإسلامى.
وكانت أول رحلة للشيخ عبد الباسط عبد الصمد خارج مصر فى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج برفقة والدته، وطلب منه أبناء السعودية القيام بعدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة، فوافق الشيخ عبدالباسط وقام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التى سجلت بالحرم المكى والمسجد النبوى الشريف ولقب بعدها بـ"صوت مكة"، وانهالت عليه الدعوات سنوياً من مختلف بقاع السعودية لزيارته وإقامة حفلات داخلها.
كما شملت زيارات الشيخ عبد الباسط خارج مصر زيارة دولة جنوب إفريقيا وكذلك باكستان لحضور مؤتمر اتحاد قراء العالم بكراتشي، والهند وسوريا وفلسطين وتلى القرآن فى أشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن ومعظم دول العالم، وأشتهر وقتها بصاحب الحنجرة الذهبية وكروان الجنة.
ونال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد خلال مسيرته عدة تكريمات شملت وسام الاستحقاق من سوريا، ووسام الأرز من لبنان، والوسام الذهبى من ماليزيا، ووسام من السنغال وآخر من المغرب، ووسام العلماء من الرئيس الباكستانى ضياء الحق عام 1984، ووسام الإذاعة المصرية فى عيدها الخمسين، ووسام تكريمى من الجمهورية العراقية، وآخر الأوسمة التى حصل عليها كان بعد رحيله وسام الاستحقاق من الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك فى الاحتفال بليلة القدر عام 1990م.
وبعد مسيرة عطره شهد يوم الأربعاء 30/11/1988 رحيل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فى جنازة مهيبة بحضور عشرات الآلاف من محبيه من مختلف دول العالم، وجميع سفراء دول العالم نيابة عن شعوبهم وملوك ورؤساء دولهم تقديراً لدوره فى مجال الدعوة والقرآن.
ومن المقرر أن تشهد محافظة الأقصر، اليوم الجمعة، زيارة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، وذلك لأداء خطبة وصلاة الجمعة على الهواء مباشرة من مسجد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الجديد بمدينة أرمنت، إحياءً لذكرى كروان الجنة وأشهر قارئ فى مصر والعالم العربى.
حلول الذكرى الـ29 لرحيل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
تلاوة الشيخ عبد الباسط بدولة العراق
صورة نادرة للشيخ عبد الباسط خلال التلاوة بالإذاعة قديماً
الشيخ عبد الباسط فى زيارة داخل إذاعة بى بى سى بلندن
تلاوة للشيخ عبد الباسط بدولة ماليزيا وحفاوة كبيرة من الأهالى
الشيخ عبد الباسط برفقة أحد المشايخ المغاربة
تلاوة الشيخ عبد الباسط فى جنازة الراحل محمد الخامس بالمغرب
الشيخ عبد الباسط خلال زيارته لدولة جنوب إفريقيا
الشيخ عبد الباسط فى الهند وخلفه أنديرا غاندى خلال الاستماع لتلاوته
عدد من الأوسمة التى نالها الشيخ عبد الباسط فى تاريخه
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة