أحب أن تكون فى مصر حرية حقيقية، حرية المشاركة وحرية الحياة، حتى يشتغل الناس بأحوال أنفسهم أكثر من انشغالهم بأحوال غيرهم وبإصدار أحكام مسبقة على الغير . وأحب أن يكون فى مصر حرية حقيقية تسقط معها تابوهات عقيمة تجعل الناس أسرى الأفلام البالية عن الرجل الذى يحلم بالزواج من أربعة . وأحب أن يموت النفاق فى مصر بلا رجعة، فينام ولا يستقيظ أبدا، حتى تعيش الناس على سجيتها، وتدرك أن قيمة الإنسان فى جوهره وحقيقة كنهه وطبيعة عقله وما يفيض به قلبه . وأحب أن تكون مصر آمنة لا يتعرض فيها ذكر لأنثى، لا خوفا من القانون أو القوانين الكثيرة المانعة المحرمة والمخيفة والشديدة، ولكن نزاهة وكرما وأخلاقا . فقد شرع الله الاختلاط بين الجنسين فى الطواف حول البيت الحرام، وشرعه فى السعى بين الصفا والمروة، وشرعه فى مناسك الحج على عرفات رغم تكدس الناس وتكالبهم وتزاحمهم، فلماذا نخترع مدارسا لبنين ومدارسا للبنات ليخرج الينا شباب وشابات لم يقابلوا فتاة من قبل، أو لم يخالطوا شابا من قبل ويبدأوا حياة مزعجة مريضة بأفكار وهمية أو أفكار مخيفة أو عنيفة ؟ فما صنع الفصل بين الجنسين خيرا ولا قدم انجازا فى اية بلد متقدمة أو غير متقدمة على ما يظهر ويبدو جليا للعيان . وانما صنع الفصل بين الجنسين سائق تاكسى مبصبصاتى متحرش بزبائنه من المصريات والأجانب ويفضحنا فى قصص السائحات، وصنع شبابا يتحرشون بأخواتهم المواطنات فى وسائل المواصلات العامة وفى الشوارع .
لم يصنع الفصل بين الجنسين فى مدارسنا شيئا ايجابيا، وانما صنع لنا حياة مزدوجة نتكلم فيها عن الحرية وعن الحياة وعن المرأة ونقدم فيها افلاما مصرية منفتحة وتعبر عن مجتمع طبيعى، بينما يسقط البعض فى بئر التيه الجنسى مما قد لا يحدث فى مجتمع مختلط كما خلقه الله مختلطا . فحياة المرأة هبة من الله وليست هبة من الرجل على كل حال، وما المرأة بأسيرة ولا بعبدة، وإنما هى انسان يقرر لنفسه – فى كل الأحوال – ما يشاء ويتحمل وزر اختياره وتبعاته أيضا دنيا وآخرة . ولها وللشاب أن يعيشا تجربتهما فى الحياة – بحلوها ومرها – وأن يختارا ما يشاءان من اختيارات لنفسيهما .
أحب أن يتعلم الناس أن الحياة واحدة ومن المهم أن نعيشها سعداء، لا كاذبين متظاهرين أو مهملين فى حق أنفسنا ولا كانزين للمال . وأحب أن نتعلم أن نكمل ما بدأنا، فتصبح بيوتنا جميلة ملونة بألوان جميلة مبهجة ونظيفة مطلة على الحياة ومقبلة على الزائرين، وليست بيوتا أسمنتية أو بيوتا من الطوب العارى القبيح كأننا نعيش فى قرية كبيرة، أو كأن القرى زحفت على المدينة بطبعها البسيط وقلة هندامها واقتصاد بنائها .
أحب أن يتقاعد المتقاعدون على المعاش، ليتاح للشباب العثور على فرصة عمل، ولتخف أعباء الدولة من الرواتب الكبيرة الضخمة ويخف الضغط على المبانى وعلى الأجهزة وعلى المرور وعلى أعصاب الناس . فلا يعقل أن يحال المرء إلى المعاش اليوم، ثم يعود إلى مكتبه فى الصباح أو إلى مكتب آخر مجاور بمسمى وظيفى آخر، بينما الدولة مديونة وتئن من حملها ومن ضخامة الجهاز الادارى للدولة . والا فماذا تسمى هذه الدائرة الغريبة من التقاعد الصورى والاستمرار فى العمل الحكومى على حساب الحكومة بدلا من التردد على مكتبة للقراءة أو على ناد رياضى أو على عمل حر بأعصاب باردة وكأن أحدا لا يرى ولا يسمع . ولماذا نفعل هذا بأنفسنا ونجعل الحياة أصعب وأغرب ؟ ألا يكفى المرء ثلاثون أو أربعون عاما من التردد على المكتب الحكومى ؟ ألا يشعر المرء بالحرج وهو يزاحم من يصغرونه بثلاثين عاما فى المصاعد وفى المكاتب وفى دورات المياه ؟ ولماذا لا نتجه بعد المعاش إلى التنزه والى الاستمتاع بحياتنا ورؤية ما تمنينا طوال عمرنا أن نراه أو نزوره ؟ ولماذا لا نحقق حلما فى عمل خير ينفع الناس أو الحيوان ونعيش حياة أكثر سكينة وسعادة بعد المعاش ؟ ولماذا تستهوينا حياة أكثر توترا وحرصا على التظاهر بأننا لم نكبر ولم نتخط الستين ؟
أحب أن يكون هناك حياة سياسية حقيقية ومتنامية وأحزاب فاعلة تقدم رؤى متباينة ومتميزة لمستقبلنا وتقدم صفوفا ثانية وثالثة من القيادات وحلولا ناجزة لمشاكلنا .
نعم لما تم من أعمال ومن انجازات، ومن المؤكد أن القادم انجاز أيضا ولن نرتد إلى الوراء . حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه إلى الخير كله .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة