قرأت مثل غيرى خبر سفر السيد رئيس الوزراء للعلاج فى ألمانيا وتمنيت له الشفاء، ولكن تساءلت فى خضم ما تشهده مصر فى مرحلة البناء: لماذا لم يفكر القائمون على بلادنا فى الاهتمام بالمنظومة الصحية الاهتمام الذى يوفر لأبنائها العلاج والرعاية الصحية المطلوبة؟ وتذكرت أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى قد ذكر فى لقائه بالرئيس الفرنسى أن مصر تحتاج إلى منظومة صحية على مستوى أفضل، وأعتقد أنه كان يقصد الرعاية الصحية لعامة الشعب، فهو دائم التفكير فى المواطن البسيط وكلنا نتفق معه فى ذلك، وأتمنى أن يحقق ما يرجوه.
وكنت أتحدث مع إحدى صديقاتى الطبيبات واللائى يشرفن على منظومة العلاج فى إحدى محافظات الصعيد، فقالت جملة واحدة «نحن فى مصر لا نفتقد الرعاية الصحية والإمكانيات الطبية وخبرة الأطباء والتمريض نحن نفتقد الضمير».
كم هزتنى تلك الجملة وجعلتنى أفكر طويلا لماذا إذن يسافر المسؤولون والشخصيات المهمة، ومن لديه المقدرة المادية للعلاج خارج مصر ما دمنا نحن نملك مستشفيات على أعلى مستوى من التجهيزات الطبية والمعدات اللازمة وخبرات الأطباء الذين يثبتون أنفسهم فى الخارج قبل الداخل..لابد أن الخلل ليس فى القدرة المادية والعلمية كما كنت أعتقد، وإنما هى أزمة الثقة التى سببها غياب الضمير ومحاسبة النفس وانعدام الولاء وحب الوطن الحقيقى الذى نجده فى شعوب كثيرة، للأسف لسنا من تلك الشعوب التى تفخر بانتمائها الوطنى، خاصة فى تلك الظروف التى تمر بها مصر من انعدام التوازن وانتشار الشائعات المغرضة، وبث روح الإحباط فى النفوس.
أنا لا أعترض على أن رئيس الحكومة المصرية لم يثق فى أطبائنا المصريين ولا يأمن على صحته من دخول مستشفيات مصرية على أعلى مستوى، والحقيقة أنه لو توفر للمواطن الفقير الفرصة للاختيار ما بين السفر والعلاج على نفقه الدولة فى الخارج أو العلاج على نفقة الدولة فى مصر لاختار الخارج.
العيب فينا والضمير الذى يراقب ويحاسب كل إنسان على تصرفاته وأفعاله لا يفرق بين غنى أو فقير لا يفرق بين مسؤول أو خفير، لكن كلما كان المسؤول قدوة للمواطن البسيط انتشرت الثقة والإيمان بالوطن وقدرة أبنائه على بذل مزيد من الجهد، الضمير لا يعرف من يملك ومن لا يملك.. هو يعرف فقط الفرق بين الخطأ والصواب.
إصلاح المجتمعات التى استشرى فيها الفساد وتعتبر فى بداية سلم العافية يبدأ من القاع.. يبدأ من المواطن البسيط وليس كما يظن البعض من المسؤول فقط، لأن اللصوص الكبار والفاسدين المخضرمين من السهل أن تفوح رائحتهم، أما المواطن البسيط الذى لا يراعى ضميره ربما يموت قبل أن تفوح رائحته ويترك لأولاده تراثا يسيرون على دربه ليتحول المجتمع إلى بؤرة فساد من القاع إلى القمة.. وكما قالت صديقتى الطبيبة «الكارثة كلها فى الضمير» وأنا أضم صوتى لصوتها ولكن ليكن الضمير متلازما مع قوانين صارمة منجزة فاعلة، فهذا من شأنه إيقاف وإرهاب كل من تسول له نفسه أن يسكت ضميره ويقع فى مستنقع الفساد.
هذه دعوة لكل مسؤول يفكر فى السفر للعلاج حاول أن تعطى القدوة فى الانتماء.
وإلى كل طبيب وممرضة مهمتهم الأساسية إنقاذ الأرواح حكموا ضمائركم فالنتائج مذهلة فأنتم ستكونون نواة لتقدم بلادكم.. وتحسين صورتها فى الداخل والخارج.
وإلى كل مسؤول يشرف على منظومة علاجية فى أحد المستشفيات احرص على أن توقظ ضميرك كل صباح.
ربما لا نحتاج لأن نكون بلدا غنيا، ولكننا نحتاج أن نكون بلدا يملك الضمير فهو السبيل لتقدمنا وحل كل مشاكلنا.. والله أعلم.